تتجمع عناصر المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة, خصوصاً في مياه الخليج, في ظل الوضوح الذي تعبّر عنه واشنطن حيال قرارها القاطع بلجم طهران, وتحجيم طموحاتها و"قصقصة" أجنحتها ومنعها من التوسع والتدخل في شؤون غيرها من البلدان, لا سيما في الدول العربية, وإعادتها إلى وضعية الدولة الطبيعية, لا كما سعت وتسعى منذ مطلع الثورة الإيرانية العام 1979 بكل الوسائل, المشروعة وغير المشروعة, كي تكون دولة إقليمية كبرى.
واشنطن عززت وجودها العسكري في المنطقة والمياه الاقليمية, الخليجية خصوصاً, بحاملات طائرات وبوارج وقاذفات B52 الاستراتيجية. وقدّم وكيل وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان, أمس الثلاثاء, خطة عسكرية محدثة تنص على إرسال ما يصل إلى 120 ألف جندي أميركي إلى الشرق الأوسط, في حال قيام إيران بمهاجمة القوات الأميركية أو تسريع العمل في مجال الأسلحة النووية.
وتشكل عملية التفجير التي استهدفت 4 سفن مدنية في الفجيرة بالمياه الإقليمية للإمارات العربية المتحدة, ليل السبت الماضي, واستهداف محطتي ضخ البترول وخطوط الأنابيب التابعة لشركة (أرامكو), أمس الثلاثاء, في محافظتي الدوادمي وعفيف في الرياض السعودية بطائرات "درون" من دون طيار مفخخة, تطوراً بالغ الخطورة في مسار الأحداث المتسارعة.
تزامناً, أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو, الذي قطع زيارته إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف, وانتقل إلى بروكسيل للتشاور مع الأوروبيين في التصعيد الإيراني الخطير في مياه الخليج العربي, أن النظام الإيراني هو أكبر مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط, وهدف الولايات المتحدة هو إصلاح هذا الوضع.
وعلى الرغم من تأكيده أن هدف واشنطن ليس الحرب, إنما تغيير سلوك النظام الإيراني, يشدد بومبيو على أن بلاده أرادت أيضا ضمان وجود قوات رادعة في المنطقة تحسباً لإقدام إيران على استهداف المصالح الأميركية, للرد بالطريقة المناسبة". وأشار إلى أن الإيرانيين "زادوا عملياتهم الإرهابية واختباراتهم للصواريخ الباليستية, وتنامت سلوكياتهم الخبيثة بشكل كبير عبر استخدام كيانات متعددة, ابتداء بالحوثيين وانتهاءً بحزب الله. وهذا كله حدث خلال وجود الولايات المتحدة ضمن الاتفاق النووي", مؤكدا أن "الرئيس دونالد ترمب مصمم على جعل إيران تُغيّر هذا السلوك".
وأصرح الكلام في هذا الإطار, عبّر عنه في الساعات الماضية, المبعوث الأميركي الخاص بإيران براين هوك, الذي أكد أن "على إيران أن تتصرف كدولة طبيعية وليس كدولة ثورية, وإلا فلتستمر بمراقبة اقتصادها وعملتها ينهاران", مشدداً على أن "زمن تفلت إيران من تحمّل المسؤولية عن أعمالها وأعوانها, انتهى, وإذا تم الاعتداء علينا سنقوم بالرد عبر استخدام القوة العسكرية, ولن نميّز بين إيران ومليشياتها وأعوانها, مثل حزب الله والمليشيات الشيعية في العراق, وسائر المليشيات التي تقوم بتدريبها وتسليحها وتسيطر عليها وتقودها".
وما لم يكشفه بومبيو حول الرسالة التي يحملها إلى بوتين ولافروف, خلال لقائهما, يكشفه هوك, عن تضمنها التأكيد أن "على إيران الانسحاب من سوريا. فلا نستطيع ان نقبل ان تكون سوريا قاعدة إطلاق صواريخ لإيران, ونعتقد ان ذلك من مصلحة الروس أيضا وهم يشاطروننا هذه النظرة".
وتأتي زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد إلى بيروت, والتي لم يعلن عنها سابقاً, في ظل هذا الاحتدام. وهو من المقرر أن يلتقي كبار المسؤولين وعدداً من القيادات السياسية, وقام أمس الثلاثاء بزيارة بكركي وقدّم التعزية بالبطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير.
ولا يمكن فصل زيارة ساترفيلد أيضاً عن موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل, بعدما كانت السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد قد سلّمت إلى إدارتها رسالة من رئيس الجمهورية ميشال عون, تحظى بتفاهم رئاسي لبناني, حول رغبة لبنان أن تتم العملية عبر الأمم المتحدة وبرعاية أميركية مباشرة, على ان يجري ربط الترسيم البري بالحدود البحرية في وقت واحد, بدءاً من نقطة الخلاف في الناقورة.
فإلى أين تتجه المنطقة؟ هل إلى صدام محتوم أم إلى طاولة المفاوضات, بشروط ترمب هذه المرة؟ وهل ما نشهده من تصعيد هو الدخان "المقصود" للتعمية على شيء ما يجري في الكواليس أو تحت الطاولات بين واشنطن وطهران, أو على الأقل, هو لا يعكس رغبة وتصميما أكيدين لدى الطرفين في الحرب, إنما وسيلة تستخدم لتحسين شروط التفاوض؟ لكن في هذه الحالة الأخيرة, من يضمن عدم تفلت الأمور في لحظة ما وخروجها عن السيطرة؟
نادر: انتقلنا من الأقوال إلى الأفعال والمواجهات
مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية المحلل الاستراتيجي الدكتور سامي نادر يرى أن "عملية التفجير في الفجيرة واستهداف محطتي الضخ البترولية وخطوط الأنابيب السعودية بطائرات "درون" من دون طيار حوثية مفخخة, يعنيان استهدافاً مباشراً".
ويعتبر نادر, في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني, أننا "لم نعد في إطار التهديدات المتقابلة, ولا في إطار الحشد والضغط العسكريين, بل انتقلنا من مرحلة الأقوال إلى الأفعال, إلى مرحلة المواجهات, وإن كانت محدودة, لكن تم الضغط على الزناد". ويقول: "لم نعد فقط في مرحلة مسارٍ تصعيدي بسقف عالٍ, إنما أعتقد أن المواجهة بدأت. أما, هل ستمتد إلى حرب مفتوحة وواسعة؟ هذا ما تقرره الأيام المقبلة, وبالتأكيد كل فريق لديه حساباته".
ويوضح أن "الأميركيين لا يريدون خسارة مصداقيتهم, أو التراجع عن السياسة الصارمة التي أرساها ترمب, أي العقيدة التي تقول, أنا أضع خطوطا حمرا وأحترمها, أنا عكس باراك أوباما, وأنا ذاهب في المواجهة مع إيران إلى النهاية". لكنه يلفت إلى أن "ترمب يعرف تماما أنه دخل مرحلة السباق لتجديد ولايته الرئاسية, وأمامه أقل من سنة ونصف, وكل خطوة يحسبها مئة مرة".
ويعتبر مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية أنه "لذلك, الخيار الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة هو التسوية الدبلوماسية, وأيضا بالنسبة لإيران, لكن طهران تعلم أن هذه لحظة ضعف في الإدارة الأميركية, حيث خاصرتها مفتوحة ربطاً مع الانتخابات الرئاسية المقبلة. لذلك هي تحاول وتسعى لإرباك واشنطن واختبار مدى جديتها ومضيّها في الخيار العسكري والضغط على الزناد, هل تقدم على عمل مشابه لما قامت به في سوريا العام 2017 وتقصف؟ أم هي تصعّد كلامياً وتعرض عضلاتها وترسل تعزيزات عسكرية إلى المنطقة, لكنها, وبسبب الانتخابات الرئاسية المقبلة, لن تقدم, انطلاقا من حسابات داخلية, على القيام بخطوة؟".
ولا يستبعد نادر أن "تكون الولايات المتحدة قوة داعمة, فيما تقوم دول المنطقة التي تعرّضت مصالحها للاعتداءات, بالرد. لأن ما حصل ليل السبت الماضي وأمس الثلاثاء, لا يمكن أن يبقى من دون ردّ. أميركياً, لا يمكن للإدارة أن تحتمل عدم الرد, وأيضا بعد الاعتداءات على مضخات النفط السعودية, حتى الرياض سترد. أما كيف, وأين, ونوع وكمّ الردّ, فأعتقد أنه سيكون مدروساً بقدر ما كان الاستهداف مدروساً, نظراً للطريقة الغامضة التي تم من خلالها استهداف السفن وعدم الاعلان عن تبني مسؤولية ذلك صراحة".
لكنه يلفت أيضاً إلى أن "ما تعرّضت له المضخات السعودية يعني أن هناك من خطط للعب على أسواق النفط, وهنا أيضاً ثمة إطلالة للعب على الانتخابات الرئاسية الأميركية". ويضيف أن "السؤال اليوم هو حول كيفية الرد الأميركي على هذا التصعيد, نوعاً وكمّاً. مع الإشارة إلى أن واشنطن تضع كل الخيارات على الطاولة", مرجحاً أن يكون "الرد السعودي في الساحة اليمنية المفتوحة".