لم يعد السرطان في لبنان حالة فردية أو نادرة؛ صار وجعًا عامًا يطال كل بيت تقريبًا, ويثقل النظام الصحي والاجتماعي. ومع نشر صحيفة دايلي مايل البريطانية تقريرًا صادمًا صنّف لبنان الأول عالميًا بارتفاع وفيات السرطان بنسبة 80% خلال العقود الثلاثة الماضية, انفجر النقاش حول حقيقة الأرقام وخطورة المسار.

الارتباك مبرَّر, فبلد مثقل بالتلوث, أزمة النفايات, ضعف الرقابة الغذائية وتراجع المنظومة الصحية, طبيعي أن يكون عرضة لموجة أمراض قاتلة. لكنّ الأطباء والاختصاصيين يؤكدون أن التقرير اعتمد على تقديرات لا على أرقام دقيقة, إذ إن السجل الوطني للسرطان توقف عن توثيق الإصابات بعد 2016, قبل أن يُعاد تفعيله العام الماضي ضمن خطة وطنية جديدة. الأرقام الرسمية تشير إلى تصاعد الإصابات من 7,400 عام 2005 إلى 13,390 في 2022, لكنها لا توثّق الوفيات.
الواقع واضح: نحن أمام منحى متزايد, وقد يكون الأسوأ في السنوات المقبلة, مع تلوث الهواء والمياه, الفوضى في التدخين, والمولدات التي تغطي سماء لبنان بالدخان. الأخطر أن نتائج هذه البيئة السامة لن تظهر فورًا, بل ستنفجر بعد سنوات, خصوصًا مع ما يسمّى "سرطانات ما بعد الحرب".
الطريق ليس مستحيلاً: الوقاية والكشف المبكر هما خط الدفاع الأول. لكن من دون دولة تحمي صحة الناس بفرض القوانين, ضبط التلوث, مراقبة الغذاء, ومعالجة النفايات, سيبقى اللبنانيون وحدهم في مواجهة "المرض" الذي صار جزءًا من يومياتهم.