من الواضح أن إسرائيل فقدت أعصابها وبدأت في تصعيد الحرب من خلال توسيع ضرباتها في العمق اللبناني فكان البقاع بالأمس " فشة خلق" وأكملت إسرائيل اجرامها بمجزرة الهبارية فجراً سقط ضحيتها أكثر من ١٠ شهداء وعدد من الجرحى من جهاز الإغاثة والطوارئ التابع للجمعية الطبية الإسلامية, لتكون الهبارية شاهدة على إجرام العدو الذي لا يميز بين مدني وعسكري ولا صاحب رسالة إنسانية ومقاتل, فعنجهية العدو المجرم لا تعرف رحمة فبأي ذنب استشهد هؤلاء المسعفون؟؟
ولكن توسيع الحرب بدا هدفاً لإسرائيل الحائرة بعد أن صحى الضمير العالمي ووقف ضدها, وحتى الولايات المتحدة الأميركية لم تصوت خجلاً كما يشير مراقبون أن قرار مجلس الأمن هو التحذير الأميركي الاول للاسرائيل علها تعتبر وتوقف مجازرها, إلا أنها ماضية في سياسية الإبادة في غزة ولبنان.
فالميدان وحّده مشهد الدمار من الجنوب الى البقاع حيث اشتعلت الاوضاع وبدا جلياً ان قرار وقف النار في غزة مجرد حبر على ورق وان إسرائيل بضرباتها أمس قالت للعالم "روحوا بلطوا البحر" , لان القرار لم ولن يُطبق لا في القطاع ولا في لبنان ولن تسمح إسرائيل في ذلك حتى تحقيق اهدافها.
وفي حين تستمر اسرائيل في عدوانها, برز حدث أمني خطير كاد يهدد السلم الأهلي وكأن أرض الجنوب والجنوبيين لا يكفيهم هول الاعتداءات الصهيونية.
فأهالي رميش المتخوفين من توريط القرى الجنوبية التي لم يتم اقحامها بعد في اتون الحرب, يتحدون الاعتداءات ببشبابهم وشيبهم واطفالهم وقد هتفوا في زياح الشعانين "هوشعنا في الاعالي", مناشدين رب السلام ان ينعم عليهم وعلى جيرانهم في القرى الحدودية بالهدوء والسلام.
وفي سياق التصعيد, كلما تأزمت الامور وتعقدت على الساحة اللبنانية, تتجه الأنظار أكثر فأكثر الى الخارج علّه يمدّ يد العون وينقذ لبنان من أزماته التي عجز عن حلّها الأفرقاء المحليون واستعصت على كبار السياسيين.
ومن هناك بدأ السؤال يتبادر الى أذهان البعض عما إذا كانت فكرة وضع لبنان تحت الوصاية الدولية مطروحة في المحافل الدولية, وهنا تؤكد مصادر دبلوماسية ان الوصاية الدولية قضية كبرى, وليست مجرد إجراء بسيط, فإذا اجتمع مثلا مجلس الامن وقرر ان بلدا معينا في حالته الحاضرة يشكل خطرا على الامن والسلم الدوليين ويجب وضعه تحت إشراف الامم المتحدة, عندها يضعونه تحت الفصل السابع ويرسلون جيشاً لكن يبدو ان فكرة وضع لبنان تحت الوصاية الدولية غير مطروحة على الطاولة حتى اللحظة.
وفي الملف الرئاسي, يتم ربط مصير الانتخابات الرئاسية في لبنان بمرحلة ما بعد وقف اطلاق النار في غزة, تماما كما يرتبط مصير الاتفاق النووي الايراني بمرحلة ما بعد الانتخابات الاميركية, وقد تأكد للرئيس جو بايدن ان اي اتفاق مع ايران قبل الانتخابات سينعكس سلباً على معركته, خصوصا ان ايران تسعى للاستثمار في الفترة الانتخابية الاميركية لتحصيل مكاسب في الملف النووي, اعتقادا منها ان الادارة الاميركية غير قادرة على فرض شروطها. وتبعا لذلك, رُحل الملف النووي الى 2025.
ان هذا الربط مرده الى ان ايران قد تفرج عن الانتخابات الرئاسية في لبنان اذا شعرت باستحالة عودة بايدن وارتفاع حظوظ دونالد ترامب, فتستعيد سيناريو العام 2016 حينما.
وحتى ذلك الموعد سيبقى لبنان من دون رئيس, الا اذا طرأ ما قد يغير قوانين اللعبة ايرانياً. الا ان ما كان ساريا قبل الـ 2016, لم يعد كذلك بعدها وفريق ما كان يُعرف ب14 اذار ليس في وارد تكرار خطيئته التي جنى بها على نفسه كما على البلاد والعباد.
والثنائي الشيعي لن يتمكن من فرض رئيس على اللبنانيين لعدم امتلاكه الغالبية النيابية بداية ثم لكون حليفه التيار الوطني الحر يقف في الضفة المناهضة ويتقاطع مصلحياً مع قوى المعارضة الرافضة رفضا مطلقا مرشح الثنائي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
في المقابل, تعجز قوى المعارضة عن انتخاب مرشحها للعلة نفسها, فهي لا تملك الغالبية النيابية لانتخابه, في ضوء استمرار نواب التغيير والمستقلين بالدوران في الفلك الرمادي وليس في قدرتها فرض اي مرشح.
ووفق هذه المعادلة تمضي الامور, اي " لا رئيس مفروضاً ولا رئيس مرفوضاً ", ويبقى الاستحقاق الرئاسي معلقاً على حبال الديموقراطية التوافقية التي انهكت النظام وجعلته اسير أهواء القادة السياسيين واركان المنظومة .