لا تحذير باريس بقرب انتهاء الاهتمام الدولي – الاقليمي على "استحيائه" بلبنان, ولا الاغراءات المالية القطرية حرّكت "المياه" الراكدة رئاسيا, لان مفاتيح "الحل والربط" ليست في العاصمة الفرنسية, وطبعا ليست في الدوحة التي ابلغت من يعنيهم الامر انها غير قادرة على استضافة مؤتمر لبناني جديد على اراضيها, والمحت الى ان الدور المناط لها محدود ومرسوم بدقة ولا يمكنها ان تتجاوزه, لعلمها ان مصالح واشنطن والرياض اكبر من قدرتها على "الهضم".
لذلك تتحرك قطر ضمن هامش محدد هدفه الرئيسي تأمين الحد المعقول من الاستقرار, الذي يسمح لها ولشريكتها الفرنسية عبر "توتال" العمل في بيئة هادئة, تسمح باستغلال الحقول الغازية اللبنانية الواعدة, وقد تقدمتا بالامس مع "ايني" الايطالية للاستثمار بالبلوك رقم 8 والبلوك 10, ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول توقيت فض العروض من قبل الدولة اللبنانية, التي بامكانها بحسب بعض الخبراء استغلال الوقت لصالحها وتقليص حصة الشركات الثلاث من الارباح, لو ارجأت الملف الى ما بعد الاكتشافات الغازية في البلوك رقم9؟!
فيما يرى آخرون ان مجرد الاهتمام "الثلاثي" يؤكد وجود غاز تجاري سينقل لبنان الى مصاف الدول المنتجة للغاز. وحتى ذلك الوقت تتجه الازمة الاقتصادية المالية نحو المزيد من التعقيد والخطورة مع تبخر اموال السحب الخاصة, التي لم تعد تكفي الا لتمويل الادوية المستعصية لمدة شهرين فقط, والتي تهدد البلاد بانهيار شامل, وقد لجأت لجنة المال والموازنة "متاخرة" الى ديوان المحاسبة للتدقيق في كيفية صرف الاموال وهي خطوة لا "تغني ولا تثمن عن جوع", في بلد تطوى فيه الملفات دون ان تصل الى خواتيمها.
بحث صعب عن "الخيار الثالث"
سياسيا, واصل الموفد القطري ابو فهد جاسم ال ثاني تحركه, دون اي مؤشرات تنبئ باحتمال حصول انفراج رئاسي قريبا, وهو التقى عصر امس رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل, ويلتقي اليوم رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع ضمن جولة ثانية على الثنائي المسيحي. وتبدو رحلة البحث عن "الخيار الثالث" صعبة للغاية حتى الآن, فيما موجة النزوح السوري تتفاقم وتزداد خطورة, مع تجاوز "الوطني الحر" الخطوط الحمراء, عبر الاتهامات السياسية من النائب جبران باسيل للمؤسسة العسكرية بالتواطؤ والتقصير..
لا "دوحة" جديدة
ووفقا للمعلومات, ابلغ الموفد القطري باسيل ان بلاده ليست بصدد استضافة مؤتمر حواري, أسوة باستضافتها للمؤتمر الذي عقد في أيارعام 2008 , وكان وراء إبرام تسوية لم تنقل البلاد الى شاطىء الامان الدستوري. وكان واضحا من خلال التأكيد ان تحركه يبقى تحت سقف خريطة الطريق التي رسمتها اللجنة الخماسية, وعنوانها محاولة تذليل العقبات التي تعترض انتخاب رئيس, في ظل التعادل السلبي للقوى السياسة في البرلمان.
وفيما المح الجاسم الى ضرورة الاخذ بجدية إنذار الفرصة الأخيرة الذي أطلقه الموفد الفرنسي جان ايف لودريان, والاستفادة من منح الدوحة فرصة نهائية للوصول الى تسوية قبل انفراط عقد "الخماسية" قريبا اذا لم يحصل التقدم المنشود, عُلم ان باسيل ابدى انفتاحه على البحث بالمرشح "الثالث", مشددا على انه اول من روج لهذا الاقتراح لكن دون جدوى حتى الآن, لكنه شدد على نحو صريح على رفضه لاي تبني محتمل لقائد الجيش العماد جوزاف عون, معددا الاسباب الموجبة التي تمنع ترشيحه؟!
"زلزال" في المنطقة
ويبدو الموفد القطري ثابتا في مبادرته المستندة الى "الخيار الثالث", وسيستمر في مهمته بالتنسيق مع المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان ومع ممثلي "الخماسية", التي قد تعقد وفق مصادر ديبلوماسية, اجتماعا تقييميا في الرياض قريبا, وبعدها "يبنى على الشيء مقتضاه". لكن تلك الاوساط تشير الى انه من الصعب تحييد الوضع اللبناني عن الصراعات في المنطقة, التي تنتظر حدثا على قدر كبير من الاهمية, يرتبط بتقدم الاتصالات السعودية – "الاسرائيلية", واقتراب التطبيع العلني بين الدولتين, والذي سيكون بمثابة "زلزال" له الكثير من الارتدادات. وفي هذا السياق, نقلت صحيفة "هارتس" عن مسؤول "اسرائيلي" تأكيده بان الحكومة "الاسرائيلية" تقوم باتصالات من أجل تحويل ميزانيات لحركة حماس داخل قطاع غزة بواسطة قطر, وتتدارس إمكانية زيادة عدد العمال المسموح لهم بالعمل داخل أراضي 48, وتخفيف القيود على البضائع, خوفاً من تصعيد يمس بالمداولات الجارية للتطبيع مع السعودية.
عدم احراج السعودية
ووفقا للصحيفة, فان وزيري اليمين المتطرفين إيتمار بن غفير وباتسئيل سموتريتش لا يعارضان حتى الآن مثل هذه الخطوات الاقتصادية, وأن "إسرائيل" معنية بتحاشي مواجهات بينها وبين المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة, كي تخفف عن السعودية ولا تحرجها.
ووفقا لمصادر مطلعة, فان السلطة الفلسطينية قدّمت للسعودية 14 مطلباً من أجل إحياء اتفاق أوسلو, ليكون تطبيقُها بالتعاون مع واشنطن, جزءاً من صفقة تطبيع واتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة والسعودية و"إسرائيل". ومن هذه المطالب وقف الإجراءات "الإسرائيلية" الأحادية, بما في ذلك الاستيطان, فتح اتفاقات باريس الاقتصادية, توسيع رقعة السيادة الفلسطينية في المنطقة "ج", وتثبيت رجال أمن فلسطينيين في المعابر مع الأردن.
"حلم" يتحقق!
بدورها, اشارت صحيفة "اسرائيل اليوم" الى ان المملكة العربية السعودية ستواصل حملة التطبيع مع "إسرائيل" مع أو بدون الفلسطينيين. وقالت: "يتبين أن السعوديين يهتمون بأنفسهم, والتقرب من "إسرائيل" ضروري لهم أكثر من الحل للفلسطينيين", ولفتت الى "انه وعلى الرغم من اشتراط الاتفاق مع "إسرائيل" مقابل اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة, لا يبدو أن السعوديين ينتظرون, فقطار الوزراء الجوي إلى الرياض بدأ الآن, حاييم كاتس والآن شلومو كرعي, وبهذه الوتيرة ربما نرى لاحقاً زيارة رئيس الوزراء نتنياهو إلى المملكة أيضاً, وبعد ذلك السجود الملكي في الأقصى, وهكذا يمكن صنع السلام مع السعوديين دون إقامة دولة فلسطينية, ودون الانسحاب من الضفة الغربية, ودون إخلاء المستوطنات. فمن كان يحلم بهذا"؟ تسأل الصحيفة!
(الديار)