في التاسع من تموز الحالي, أجلت هيئة مكتب مجلس النواب البتّ برفع الحصانات عن النواب الذي طلب المحقق العدلي طارق بيطار الاستماع إليهم في انفجار مرفأ بيروت, وطلبت خلاصة عن الأدلة, فما كان من عدد من النواب المنتمين الى كتل حزب الله, وحركة أمل, وتيار المستقبل, إلا ان التفوا على طلب بيطار, بمناورة احتيالية لتهريب هؤلاء من قبضة المحقق العدلي, فوقّعوا عريضة نيابية لإحالة المشكوك بأمرهم الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي أنشئ في العام 1990, ما يعني فتح تحقيق موازٍ لتحقيق بيطار, وتهريب المشتبه بهم من الاستجواب العدلي, لصالح محكمة مقومات انعقادها شبه مستحيل.
بدل ان يلهث من انتدبهم الناس لتمثيلهم وراء حقيقة تفجير المرفأ, قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى لتفجير الضمير, غاب ضمير بعض نواب الامة, مغرداً في مكان بعيد جداً من المأساة وحجمها, وبقيت القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر, في ساحة المواجهة, في معركة رفع الحصانات, علّ العدالة تروي غليل شعب, ذبح وهو واقف. فالتهمة تتراوح بين تقصير أو لامبالاة وتواطؤ أو خيانة, وهذا ما يحتاج اللبنانيون معرفته, في انفجار هو من أكبر الانفجارات غير النووية على مدى العصور.
فماذا في العريضة النيابية لتحويل المحاكمة الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء, وماذا عن رفع الحصانات؟
يوضح عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص, أن الدستور اللبناني الذي أنشأ المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء, حدد جرائم معينة ارتكبها الوزير أو رئيس الحكومة يحال بموجبها الى المجلس الأعلى: الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات الوظيفية, لافتاً الى أن أمر تفسير الاخلال بالواجبات الوظيفية, لم يكن يوماً محسوماً, إذ كان النفوذ السياسي يدخل دائماً بقوة, ليحدد ماهية هذا الإخلال, في استنسابية واضحة, بحسب الأكثرية السياسية والاتجاه السياسي للمتهم, إما بإعطائه الحصانة وإحالته أمام المجلس الأعلى, وإما بالتضييق عليه ليمثل أمام القضاء العادي.
يؤكد عقيص, في حديث لموقع "القوات اللبنانية" الإلكتروني, أن هذا هو الحال منذ اتفاق الطائف حتى اليوم, وفي كل الدعاوى التي أثيرت ضد الوزير السابق شاهي برصوميان أو النائب السابق علي العبدالله أو رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة, أمام المجلس الأعلى, إذ كان هناك دائماً اختلاف بالتفسير, مشيراً الى أن آلية الاتهام أمام المجلس الأعلى معقدة جداً, إذ تحتاج الى عريضة اتهام من قبل خُمس أعضاء المجلس النيابي, ومن ثم تُشكل لجنة تحقيق برلمانية إذا وافقت أكثرية المجلس, على أن يصار الى الإحالة أمام المجلس الأعلى بأكثرية ثلثي النواب, وهذه أكثرية موصوفة من الصعب تحقيقها.
يشدد عقيص على أنه تقدّم والنائب جورج عدوان في كانون الثاني 2020, باقتراح قانون لتعديل أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى, لتضييق مفهوم الاخلال بالواجبات الوظيفية, بحيث تصبح أفعال الوزراء والرؤساء, موضوعة للمحاسبة أمام القضاء العادي, موضحاً أن اقتراح القانون هذا, يرمي الى تضييق الحصانات وحصرها بحدودها الدنيا, على الرغم من قناعة تكتل الجمهورية القوية بضرورة إلغائها نهائياً كما إلغاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء, إلا أن ذلك يحتاج الى تعديل دستوري لا الى اقتراح تعديل قانون.
يشرح بأن الحصانة أعطيت للنواب لا للرؤساء والوزراء, لذلك تم اختراع نوع آخر من الحصانة غير المباشرة لهم, عبر خلق مجلس أعلى يحاكمهم, مؤلف من نواب وقضاة, إضافة الى خلق مفهوم مبهم عنوانه الاخلال بالواجبات الوظيفية, لم يُحدد بوضوح. يضيف, "في اقتراح القانون الذي قدمناه, هناك فصل تام وتوضيح مفصل للجرائم التي يرتكبها الوزير والتي يحاكم فيها أمام القضاء العدلي".
يرى عقيص أن النواب الذين وقعوا على العريضة النيابية المتعلقة بانفجار المرفأ, يحاولون خلق مسار موازٍ لمسار التحقيق العدلي الذي يجريه القاضي بيطار, بهدف القبض على هذا الملف, وتحريكه بحسب الأهواء السياسية, وحرف الأنظار عما يجري أمام المحقق العدلي, كما والظهور أمام الرأي العام بأنهم مع التحقيق ويقومون بواجباتهم ولا يغطون المشتبه بهم, مشدداً على أن الرأي العام يعرف سلفاً أن هذه حيلة لوقف التحقيق العدلي بحق السياسيين الذين يتمتعون بالحصانة النيابية, ما يحول دون تمكّن القاضي بيطار من ملاحقتهم لعدم رفع الحصانة عنهم, عندها ندخل في نفق طويل جداً, عنوانه أصول المحاكمة أمام المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء.
يؤكد عضو تكتل الجمهورية القوية, أن الملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء, تفترض بدورها رفع الحصانة, لأن الإجراء القانوني والجزائي الذي يوجب رفع الحصانة عن النائب, يوجبها أياً يكن المرجع الذي ينظر بالادعاء, سواء كان المجلس الأعلى أو المجلس العدلي, وإذ يتوجه الى النواب موقّعي العريضة بالقول, "حتى لو كنتم تعتبرون أن المجلس الأعلى هو المكان الصالح بحسب طبيعة الجرم, لا يمكنكم ملاحقة وزراء سابقين ونواب لديهم حصانة الآن, أمام المجلس الأعلى من دون رفع الحصانة عنهم, التي ساعة حصولها, يستطيع القاضي بيطار ملاحقة المعنيين, وهذه نقطة قوية جداً بموقفنا, وضعيفة لدى موقعي العريضة".
يشدد أيضاً, على أنه في حال شُكلت حكومة, تسقط الدورة الاستثنائية, ما يسمح للمحقق العدلي بتسطير مذكرات جلب للمشتبه بهم وملاحقتهم عملاً بالمادة 40 من الدستور, إلا إذا اتفق رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة الجديدة على فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي.
يبدي عقيص بعض التفاؤل بقضية رفع الحصانات, بعدما تحول هذا الملف الى مسألة رأي عام, وإذ يعتبر أن الشارع يضغط بطريقة جبارة بالاتجاه الصحيح, يؤكد أن ما نراه من تواقيع نيابية والتراجع عنها خير دليل على ذلك, ويتابع, "يخشون مخالفة الإرادة الشعبية, على الرغم من أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يحدد بعد موعداً لجلسة رفع الحصانات".
يرى أن مسألة رفع الحصانات لن تكون بعيدة كثيراً عن التحقيق في ظل إصرار القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي اشتراكي على السير بهذه المسألة حتى النهاية, إذ يتبقى موقف الكتل الصغيرة التي من الممكن أن تلعب دورها.
ولا يخفي عقيص العقبات التي تعترض تكتل الجمهورية القوية في تقديم اقتراحات قوانين لإسقاط الحصانات النيابية, موضحاً أن كل ذلك يصب مجدداً لدى الأكثرية النيابية الثلاثية الحاكمة, التي تعطل مع حلفائها مسار العدالة والوطن كله.
المصدر - نجاة الجميل - موقع القوات اللبنانية