في وطن الأرز لا يوجد دواء للموجوعين, ومواد غذائية للجائعين, ولا مكان في المستشفيات للمرضى, ولا بنزين للمواطنين, في وطن الـ10452 طابوراً, يقف الناس مذلولين بحثاً عن لقمة العيش اليومية التي باتت بمثابة أشغال شاقة, فيما تقف السلطة خلف متاريس مطالبها ومصالحها بعيداً عن معاناة الناس اليومية.
لا حياة لسلطة يناديها الشعب, ولا حكومة نشعر بوجودها, وملف التأليف يراوح مكانه, كما أن لا لقاءات ولا اتصالات, بل مناكفات وتلويح بالاعتذار يلاقيه صيغة البحث عن بديل للرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
“لا تقدّم ولا جديد” على صعيد الملف الحكومي وكل ما يثار من معلومات عن وجود اتصالات ومبادرات جديدة لا يعدو كونه “مجرد تحليلات وتكهنات لا ترتكز إلى أي معطى ملموس على أرض الواقع”… بهذه العبارة اختصرت مصادر مواكبة لملف التأليف عبر “نداء الوطن” حال المراوحة المستحكمة بالبلد, مؤكدةً أنّ الأطراف لا تزال عند مواقفها المعروفة ولم يحدث أي خرق يُعتد به في جدار الأزمة.
وبخلاف ما يروّج له بعض المقربين من دوائر قصر بعبدا عن “مبادرة جديدة” يعتزم رئيس الجمهورية ميشال عون إطلاقها في الأيام المقبلة لكسر الجمود في حلقة التأليف, تؤكد المصادر أنّ “عون لا يزال على موقفه المتصلّب تجاه عملية تشكيل الحكومة ولا يبدي أي مرونة أو تعاون تجاه الوسطاء الذين يحاولون تدوير الزوايا بينه وبين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري”, بل على العكس من ذلك أصبح رئيس الجمهورية يضع السيناريوات البديلة “تكليفاً وتأليفاً” انطلاقاً من قناعته بأنّ “اعتذار الحريري مسألة وقت لا أكثر”.
وفي السياق, أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون عملية “جس نبض” تجاه رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي لجوجلة البدائل المتاحة معه واستكشاف مدى جهوزيته لقبول التكليف فور الحريري, إذ كشفت مصادر سياسية مطلعة على مساعي عون لـ”نداء الوطن”, أن إجتماعات جرت بعيداً من الأضواء بين ميقاتي وشخصية مقربة من رئيس الجمهورية بغية التفاهم بين الجانبين على ترتيبات تأليف حكومة جديدة وبوقت سريع بعد اعتذار الحريري, لا سيما وأنّ الموفد العوني نقل مباركة رئيس مجلس النواب نبيه بري لخطوة تكليف ميقاتي في حال أصرّ الحريري على الاعتذار. وتفيد المعلومات المتوافرة حيال خلاصة هذه الاجتماعات, أنّ ميقاتي لم يوصد الباب نهائياً أمام خيار تكليفه تشكيل الحكومة, لكنه وضع “قائمة شروط” لقبول المهمة ولا يزال ينتظر جواب عون عليها.
وفي الغضون, لم يعد مسار العقوبات الغربية على لبنان ملفاً يمكن تجاهل تداعياته القريبة والبعيدة المدى, بعدما بدأت المعطيات والتطورات المتصلة بهذا المسار تنذر بنتائج كارثية عليه تحت وطأة تعنت سلطة سياسية استنفدت كل ما يمكن ممارسته عليها من ضغوط, ولم تبدل حرفاً في نمط تعطيلها لقيام حكومة جديدة. الجديد الطارئ الذي برز في هذا السياق امس هو استعداد بريطانيا لملاقاة مسار العقوبات الأميركية والأوروبية على معرقلي الحل والضالعين في الفساد في لبنان بما يكمل سلسلة مترابطة غربية لهذا المسار على نحو غير مسبوق.
وتتخذ الخطوة البريطانية أهميتها اللافتة في ظل ما كشفه رئيس البعثة والقائم بالاعمال في السفارة البريطانية في بيروت مارتن لنغدن في حديث لـ” النهار” من انه ومع “استمرار تدهور الوضع في لبنان وعدم تحرك الاطراف الرئيسية من اجل منع حصول ذلك, فان المملكة المتحدة تراجع راهناً مقاربتها تجاه لبنان وفقا لذلك”. فالمملكة المتحدة شأنها شأن المجتمع الدولي “تشعر بقلق متزايد من الوضع الخطير في لبنان, فيما ان الاجراءات اللازمة من اجل عكس هذا الاتجاه الحالي واضحة ومعروفة جيداً وهي تبدأ من تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على القيام بالاصلاحات الاقتصادية والسياسية الرئيسية التي يمكن ان تجعل لبنان اولا مستداماً ومستقراً ومن ثم امناً ومزدهرا”.