استفاق لبنان اليوم على وقع ثورة لم تنطفئ شعلتها منذ 17 تشرين 2019, وعادت بزخم أقوى في 8 آذار 2021. الناس سئمت من اللامبالاة وتعبت من المماطلة وجاعت بسبب ما أوصلتها اليه السلطة من أوضاع كارثية على كل الأصعدة, أي المالية والاقتصادية والاجتماعية والصحية. صرخة الناس التي لم تلق آذاناً صاغية, تعبّر اليوم بإشعال الدواليب وحاويات النفايات وقطع الطرقات بالشاحنات والسيارات.
ADVERTISING
ADVERTISING
ومع ذلك, السلطة غير آبهة, ولا تكترث إلا للمغانم وقطع الجبنة. فالتشكيل الحكومي لا يزال يراوح مكانه, والخلافات هي نفسها, ولا بوادر حلّ في الأفق. لا بل يبدو ان الأزمة طويلة الأمد, وخير دليل على ذلك, تلويح رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب, رئيس الحكومة المعتكفة أصلاً والتي لا تجتمع وفقاً للدستور, بالاعتكاف الإضافي عن مهامه لأنه غير مستعدّ لتحمل تبعات الأوضاع الحالية وما ستؤول إليه الأزمات ووضع الشارع, خصوصاً ان الجهات الدولية ستحب شيئاً فشيئاً يدها من لبنان لعدم ثقتها بالسلطة الفاسدة.
وفي بلاد بعيدة, بعيدة كل البعد عن لبنان, منفصلة كلياً عن الواقع, يسعى البعض إلى تبييض صورته أمام المجتمع الدولي وإلى استعطاف معاقبيه. وهذا البعض هو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل, الذي يحاول ممارسة ضغوطه المعتادة للرفع العقوبات عنه, وهذه المرة, من بوابة السفارة اللبنانية في واشطن. لكن الموضوع, سبّب "بلبلة" في صفوف الطاقم الدبلوماسي اللبناني العامل هناك.
واستكمالاً لتداعيات استدعاء السفير الإيراني, محمد جواد فيروزنيا, على خلفية تهّجم صحيفة إيرانية على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي, يبدو أن طهران لم تحترم, ولن تعتاد احترام القوانين والسلطات اللبنانية, خصوصاً مع رفض السفير الإيراني تلبية استدعاء وزارة الخارجية اللبنانية, اليوم.
اذاً, حكومياً, كشفت المعطيات الجدية حول الواقع السياسي المتصل بالأزمة الحكومية عن مزيد من الاتجاهات التصعيدية سواء في الهجوم العنيف الذي شنه التيار الوطني الحر السبت على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري او عبر الإعلان المفاجئ لدياب عن اتجاهه الى الاعتكاف كوسيلة ضاغطة لاستعجال تشكيل حكومة جديدة.
وأشارت آخر معطيات "النهار", في هذا السياق, إلى أنّ حراك المبادرة الوسيطة الأخيرة, لم يبلغ حدود التواصل الشخصي بين الرئاستين الاولى والثالثة؛ ولا يزال بيت الوسط بانتظار أي تواصل معه من جانب بعبدا ليُبنى على الشيء مقتضاه باعتبار أن التجارب السابقة التي شهدها, لم تكن مشجّعة لجهة تقريب المسافات بين الرئاستين ولم تسفر عن بحث جديّ في عناوين المخارج الفعلية. ولا يبدو أن الحراك الحكومي المستجد سيصل إلى خواتيمه هذه المرة أيضا لأن التفاهم على حقيبتي الداخلية والعدل لا يزال مُعلّقاً, مع إشارة المقرّبين من الرئيس المكلّف إلى وصول معطيات إليهم تشير إلى سير فريق العهد بصيغة (5+1) في حكومة 18 وزيراً؛ لكن علامات الاستفهام لا تزال قائمة حول موضوع وزارة الداخلية تحديداً التي يريد الرئيس المكلف إسنادها إلى شخصيّة مستقلّة تماماً بالتوافق مع رئيس الجمهورية, وهذا الموضوع لم يتمّ التوصل إلى خواتيمه حتى الآن.
وفيما عبّرت فرنسا صراحة عن استيائها, وموسكو تنتظر تشكيل الحكومة للمبادرة لبنانياً, نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية معلومات عما وصفته بأنه "خطط حكومية سرية" لإجراء تخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية لكثير من دول العالم, بما فيها سوريا ولبنان والصومال والسودان سيبدأ تنفيذها في غضون أسابيع. وتم الكشف عن خطط التخفيضات التي تصل إلى نسبة 88 في المئة في "لبنان الذي لا يزال يترنح جراء انفجار ميناء بيروت العام الماضي" بحسب معلومات حصل عليها موقع الاستقصاء "أوبن ديموكراسي", في ظل معلومات دبلوماسية عن وجود مؤشرات عن تخلٍ أوروبي تدريجي عن مساعدة لبنان في ضوء التعثر الحاصل على صعيد تأليف الحكومة.
في الغضون, وفي مسعى لتبييض صفحته امام واشطن, يمارس باسيل ضغوطاً كبيرة باسيل في سبيل تحويل السفارة اللبنانية في واشنطن إلى "مكتب دفاع" عنه في مقابل العقوبات المفروضة عليه, وذلك من خلال إصراره على إيفاد مدير مكتبه السابق هادي هاشم إلى الولايات المتحدة لتولي شؤون السفارة هناك, بعد بلوغ السفير غابي عيسى سنّ التقاعد خلال أسبوعين, على أن يتولى هاشم شخصياً مهمة تسخير قنوات سفارة واشنطن لمحاولة إعادة ترتيب علاقات باسيل مع الإدارة الأميركية الجديدة.
غير أنّ المصادر لفتت إلى أنّ دفع باسيل باتجاه إقدام وزير الخارجية شربل وهبة على إيفاد هادي هاشم إلى واشنطن, سبّب "بلبلة" في صفوف الطاقم الدبلوماسي اللبناني العامل هناك, لا سيما وأنّ العرف يقول بأنّ من يستلم منصب القائم بالأعمال حتى تعيين الحكومة الجديدة سفيراً خلفاً لعيسى, هو الدبلوماسي وائل هاشم (وهو ابن عم هادي هاشم), باعتباره أعلى رتبة وأكثر أقدمية من مدير مكتب باسيل السابق, فضلاً عن وجود ديبلوماسيين آخرين ضمن طاقم السفارة في واشنطن أعلى رتبة منه أيضاً كالديبلوماسي بشير طوق.
وقالت, "يبقى أن تتجه الأنظار لحل هذه الإشكالية إلى كل من وزير الخارجية وإلى الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي, لتحديد المعايير التي ستعتمدها الوزارة إزاء القرار المتخذ بهذا الشأن, فهل يأتي على قاعدة احترام أصول العمل الديبلوماسي والتراتبية والأقدمية داخل السلك, أم وفق ما تمليه مصلحة باسيل على وزارة الخارجية؟".