لم يكن مفاجئاً نزول الناس إلى الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية, فالمقدمات التي سبق وتراكمت على مدى الأشهر الماضية كانت تنذر بهذه العاصفة من التحركات, التي لم تترك طريقاً الا وقطعته, وشارعاً الا وشلت الحركة فيه. وقد اندرجت هذه المقدمات تحت العناوين التالية:
- أزمة سياسية عاصفة تعبر عن نفسها بالعجز عن اجتراح تسوية لتشكيل الحكومة المعلقة بدلاً عن تبادل تهم التعطيل باسم الصلاحيات منذ حوالي الخمسة أشهر دون أي أفق بإيجاد حل لها. وما يضاعف من دلالات الأزمة, الطروحات التي تدفع باتجاه الحياد والتدويل في مقابل تصعيد الارتهان للمحاور المتصارعة وتزخيم الانقسام الطائفي والمذهبي والتلويح باشعال نيران الحرب الأهلية.
- حكومة تصريف أعمال لا تصرّف من الأعمال شيئاً, ولا تقوم بالحد الأدنى من واجباتها وفق مسؤولياتها الدستورية في إدارة شؤون البلاد المتروكة على غارب غياب القرار عن إتخاذ أية تدابير أو اجراءات لمواجهة مضاعفات الانهيار وسط حالة الفوضى الشاملة.
- ارتفاع متصاعد في سعر صرف الدولار وبلوغه العشرة الآف ليرة ما أطاح بالبقية الباقية من قدرة الأجور والمداخيل الشرائية, وسط انفلات الأسعار واحتكار مختلف السلع بما فيها المدعومة والمفقودة من الأسواق جراء استمرار التهريب. أما واقع الفقر الذي بلغ مستويات قياسية عالمياً, فإلى مزيد من الاتساع وسط عجز أكثر من 60 % من الأسر عن تدبير طعامها وحليب أطفالها.
- أزمة حادة تهدد بانهيار تام للقطاع الصحي نتيجة دولرة المستلزمات الطبية وصعوبة تأمينها والحصول عليها جراء عدم صرف المبالغ المطلوبة من قبل المصرف المركزي, ما يدفع بعضها إلى رفع تكاليف الاستتشفاء, أو التوقف عن تقديم خدمات لمرضى تتوقف حياتهم بالحصول عليها.
- تفشٍ حاد في وباء الكورونا, وفضائح بالجملة على آلية توزيع اللقاحات, وتقديم ما يصل منها بالقطارة إلى غير مستحقيها من مرجعيات أهل السلطة من رؤساء ونواب ووزراء وغيرهم مكافأة لهم. أما الاستعراض الاعلامي فهو لتضليل المواطنين المستحقين الذين لا يعلمون متى يصل دورهم.
- انهيار في الكهرباء العامة وترك المواطنين فريسة لأصحاب المولدات الذين يستغلون حال الفوضى, والانقطاع المتكرر لرفع أسعار الكيلوات بدعم ورعاية من الوزارة المعنية. وما يصح على الكهرباء يصح على مختلف الخدمات والحاجات الأساسية بما فيها الخبز والدواء.
ولأن المواطن يدرك جيداً تفاصيل واسباب قهره ومعاناته, يمكن القول إن الصرخة المدوية والمستمرة التي يرفعها المواطنون لم ولن تصل إلى آذان المسؤولين الصماء. ما يتطلب من الجميع الإفادة من تجربة الانتفاضة في تشرين الاول من عام 2019 والتخلي عن الفئويات وإعادة تأطير العلاقات بين مكوناتها المناضلة, وصياغة برنامج سياسي ونقابي ومطلبي موحد يقوم على إلحاح تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة عن رموز الفساد بأسرع وقت ممكن, وضمان استقلالية القضاء ووضع خطة اصلاح اقتصادي عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من رمق في الاقتصاد الوطني وقطاعاته المتعددة, وفتح أبواب النقاش مع الدائنين وصندوق النقد الدولي والدول الصديقة من أجل جدولة المساعدات الملحة والديون المتوجبة, وضمان إعادة الاعتبار للنقد الوطني, وإقرار البطاقة التموينية بديلاً للدعم الذي يذهب في معظمه إلى جيوب التجار والمهربين ومَنْ وراءهم من الممسكين بمقاليد زمام السلطة الفعلية في البلاد الذين ينحصر همهم في نهب مقدراتها ولفلفة فضائحهم بما فيها جريمة تفجير المرفأ.
إن ما تؤكد عليه الانتفاضة المتجددة للبنانيين من عموم المناطق والمنابت الاجتماعية هو أن البلد بات مفتوحاً على انفجارات سياسية – اجتماعية خطيرة لا تبقي ولا تذر, ما يتطلب أن يمسك المتضررون قضيتهم بأيديهم ويبادروا إلى تنظيم صفوفهم وبرمجة طروحاتهم وتأطير تحركاتهم. ذلك قبل أن نصل جميعاً إلى موضع يصعب فيه إنقاذ ما تبقى من مقومات وركائز الكيان ووحدة الشعب والسلم الاهلي ومؤسسات الدولة وأجهزتها, التي أهدرتها هذه الطبقة السياسية المافياوية الفاسدة والمدمرة. وذلك من أجل قطع الطريق على أطراف السلطة التي تستسهل استغلال التحركات الاحتجاجية المشروعة للمواطنين المتضررين, لتوظيفها في صراعاتها وتغطية محاصصاتها وسياساتها وممارساتها والتضليل حول مسؤولياتها عن أحوال البلاد والعباد, من خلال الدفع بالتحركات لحرفها عن غاياتها عبر ممارسات مشبوهة يسهل معها تحميل المتضررين المسؤولية عن ما هم فيه من مآسي وكوارث اجتماعية.
بيروت 3 آذار 2021 المكتب التنفيذي
لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان