فوضى لقاحات كورونا في لبنان عرض “لا يُملّ”. فمنذ انطلاق المرحلة الأولى من عملية التلقيح في الـ15 من شباط الحالي, والتجاوزات تتوالى. عندما أقر مجلس النواب اللبناني في 15 كانون الثاني الماضي, قانون تنظيم استخدام المنتجات الطبية لمكافحة كورونا واستيراد اللقاحات لهذا الوباء, افسح في المجال أمام كافة الشركات الطبية والقطاع الخاص لاستيراد اللقاحات, إلا أن هذه الخطوة باتت مدار أخذ ورد, وتبادل في تحميل المسؤوليات بين الشركات المستوردة ووزارة الصحة.
في الاساس, ثقة اللبنانيين بالإدارات الرسمية معدومة, والمطالبات بأن تدخل الشركات الخاصة على خط الاستيراد كثيرة. بعدما بات الأمر قانونياً, حمل تكتل الجمهورية القوية هذا المطلب الملحّ, ضمن آلية منظمة, الى اللجان النيابية المشتركة والجهات المعنية, علّه يجد آذاناً صاغية, وانضم كثيرون إليه. لكن حتى الساعة لا شركات خاصة تمكنت من الاستيراد ولا وزارة الصحة سهّلت هذه العملية.
صحيح أن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أعلن خلال الـ24 ساعة الماضية, أن عشرين شركة خاصة حصلت على إذن الوزارة للتفاوض للحصول على لقاحي سبوتنيك وسينوفارم, باستثناء شركتين طلبتا إذن وكالة حصرية في مخالفة صريحة للقانون اللبناني, لكن فاته أن عبارة “لا مانع لدي”, التي من خلالها يعطي الأذونات, لا “تبلعها” الشركات العالمية, التي تحتاج الى شهادات وتواقيع من وزارة الصحة اللبنانية, حتى يسلك الاستيراد على حساب الشركات المستوردة الخاصة طريقه الصحيح.
من الواضح أن الوزارة يمكنها الاحتماء بعبارة “لا مانع لدي” كي تؤكد أنها لا تعرقل الشركات الخاصة, لكن المؤكد أيضاً أن هذا الإجراء غير كاف, إذ يفتقد الى شهادات رسمية, معترف بها دولياً, ومن الطبيعي أن ترفض الشركات العالمية المُصنعة للقاحات طلب الشركات اللبنانية الخاصة بالاستيراد, فيقول الوزير “الشركات لم تتمكن من استيراده بسبب رفض الشركات المُنتجة”.
ومن ضمن الآلية التي تتبعها وزارة الصحة أيضاً للسماح للشركات الخاصة باستيراد لقاحات كورونا, عبارة “مع الموافقة بحسب الأصول”, لكن الأصول تحتم أن توقع الوزارة على شهادة تفويض, وهذا ما تمتنع عنه الأخيرة باعتراف الشركات الخاصة الذي تواصل معها موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني مستوضحاً.
وهنا لا بد من التذكير, بأن الدولة اللبنانية تتعامل رسمياً مع شركتي Pfizer وModerna اللتين تحتاجان الى آلية نقل وتخزين متخصصتين, إلا أن هناك شركات منتجة للقاحات لديها موزعين عالميين, ويمكنها أن تزود السوق اللبناني بلقاحاتها من خلال موزعيها, علماً أن ذلك يحتاج أيضاً الى إذن من وزارة الصحة اللبنانية, لأن كل دواء جديد غير مسجلّ في لبنان يحتاج الى توقيع استثنائي من الوزير المختص, “وهيدا الشي ما عم بيصير”.
وتؤكد معلوماتنا, أن وزير الصحة يطلب من الشركات المستوردة الخاصة تزويده بالفاتورة كي يوقع, بينما تطلب الشركات المنتجة العالمية, تفويضاً من وزير الصحة اللبناني كي توافق على عملية التصدير.
وافق وزير الصحة على أن تستورد الجامعة اللبنانية لقاح أسترازنيكا بعدما حولت إلى حساب الوزارة في مصرف لبنان مئتي ألف دولار, علما أن الوزارة ساعدت الجامعة على تأمين هذا اللقاح بسعر لا يتعدى أربعة دولارات, إلا أن وزارة الصحة نفسها, رفضت طلب جامعة خاصة أخرى استيراد اللقاح, مشترطة عليها تحويل الأموال الى مصرف لبنان, والحصول على لقاحاتها التي دفعت ثمنها, من خلال وزارة الصحة اللبنانية, وهذا ما رفضته الجامعة الخاصة حتى الساعة.
إذاً, بات واضحاً أن وزارة الصحة تهلل لخطة التلقيح وتطلق عليها كل صفات النجاح, على الرغم من كل الثغرات والتجاوزات, لأنها تريد إبقاء كل هذه العملية في يدها وعبرها. وتؤكد مصادر طبية رسمية لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني, أنه تم تهريب 3 الاف لقاح من أصل 15 الفاً, متوقعة أن تستفيد الجهات الرسمية من نسب مماثلة مع كل عملية استيراد محصورة بها, فتتمكن من توزيعها على “ذوقها”, مناطقياً وسياسياً, مبدية خشيتها من ان ينشط بيع اللقاحات في السوق السوداء, في المرحلة المقبلة.
لكن المشكلة تكمن في أن انتظام الحياة الاقتصادية سيستغرق وقتاً طويلاً إذا لم يتم تسهيل الاستيراد أمام القطاع الخاص. فبين السوق السوداء والتهريب وصراع الشركات الخاصة v/s وزارة الصحة وعدم الوضوح, يبقى اللبنانيون عرضة للوباء. وفي هذا الإطار, تسأل إحدى الشركات المستوردة التي قدمت ملفاً كاملاً لوزارة الصحة, لاستيراد لقاح سبوتنيك عبر موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني وزير الصحة, “لماذا لا يخرج ويعلن أسماء الشركات العالمية المنتجة للقاح التي امتنعت عن تزويد الشركات المستوردة لقاحاتها, وعلى أي تفويض وقّع كي يسهل عملنا؟, “عم يقول وقّع لـ20 شركة, بس ع شو وقّع؟ المهم ان يوافق على الفاتورة وحتى الساعة لا موافقة على الفواتير”.