انتشرت في الآونة الأخيرة شائعات عدّة مغلوطة حول جائحة كورونا العالمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بإرتفاع عدد الإصابات بالفيروس, وفي مكانٍ معيّن أدّت الى الوفاة, نتيجة بعض الوصفات الطبيّة أو العلاجات التي تتعلّق بالأعشاب التي أوصت بها بعض المراجع زاعمةً بأنّها تُساعد على الشفاء من وباء كوفيد- ١٩.
للأسف, نعيشُ اليوم في عالمٍ افتراضيٍّ لا يُمكن ضبطه أو تقييد مُستخدميه, فبعدما كانت وظيفة وسائل الإعلام الحديثة تسهيل حياة الأفراد وتلبية حاجاتهم المختلفة بما يتوافق مع التطوّر التكنولوجي والرقميّ, ها هي اليوم تخلق تفاعلًا غير مسبوقٍ بين المشتركين بإتجّاهين, الأوّل إيجابيّ يتمثلّ بمحاولة البعض تقديم المساعدة والتوجيه لذويهم لتخطّي هذه المرحلة الدقيقة, والآخر سلبيّ, وهنا تكمن الخطورة الفعليّة, حيث يحاول البعض الآخر توظيف الجائحة لنشر الشائعات والخرافات حول الوباء المجهول, وأحيانًا لنشر توجيهات عنصريّة وإجراميّة, أو حتّى أيديولوجيّة مختلفة.
في الولايات المتحدّة الأميركيّة, التي اعتُبِرَت من أكثر الدول تضرّرًا جرّاء انتشار الفيروس, وفق منظمّة الصحّة العالميّة, إذْ تجاوز عدد المُصابين الـ24 مليون نسمة في مختلف الولايات, لاحظت السلطات المعنيّة أن الفايسبوك وتويتر يُشكّلان وسيطًا حاسمًا في تداول المعلومات التي يلجأ إليها الناس فيظلّ العُزلة الوقائيّة, وبخاصة تلك الرخيصة التّي تقوم على ترويج الشائعات والإعلانات المفبركة, ما سبّب القلق والهلع في صفوف المواطنين. لذلك, وبهدف حماية أمن المجتمع الصحّي, قامت شركة فايسبوك بحذف وبحظر الحسابات التي تسوّق لهذا النوع من الأخبار والمعلومات المغلوطة, وملاحقة الفاعلين قانونيًّا, إلّا أنّ هذا الأمر لم يُطبّق في البلدان العربية بشكل عام, وفي لبنان على وجه التحديد! فعلى الرّغم من وقوع الكارثة وارتفاع عدد المصابين بالفيروس والوفيات أيضًا, غير أنّ بعض الأشخاص أعطوا لأنفسهم حقّ انتحال صفة الطبيب المُعالج وراحوا يصفون العلاجات التقليديّة والخلطات الشافيّة بحسب تعبيرهم للمصابين, وكأنّه ما من وباءٍ داهمٍ نعيشه قد يُفقدنا أنفسنا أو أحبّائنا في أيّ لحظة.
من الزنجبيل والثوم والزعتر البرّي, وحليب الحمير, وخميرة البيرة, وعشبة إكليل الجبل وصولًا ليانسون الكورونا, وقع مئات الأشخاص ضحيّة الأخبار الكاذبة التي انتشرت عبر "السوشيل ميديا", فعوضًا من الشفاء, صارع البعض منهم الموت وعانى البعض الآخر من العوارض الجانبية من جرّاء وصفات الأطبّاء الإلكترونيين!
"الوجع ما بينحمل وكنت مستعدّ اشرب السمّ إذا بيريحني". يقول جو الفارس, وهو شاب لبنانيّ, يبلغ من العمر ٢٥ عاماً, أصيب بالفيروس قبل ٧ أشهر تقريباً.
في البداية, كانت العوارض خفيفة وقريبة نوعاً ما من الانفلونزا, إلاّ أنّه بعد مرور ٣ أيّام, بات الوجع لا يُطاق ويصعب تحديده, الأمر الذي دفعه الى إجراء فحص الـ PCR من باب السلامة, فكانت النتيجة إيجابية. كما أكدّ جو, أن الآلام التي كان يشعر بها لا تُفسّر ولا تُحتمل, ولكي يستطيع تخفيف هذه الأوجاع المُميتة كان مستعدّاً لأن يفعل أي شيء, لذلك قام البعض بنصحيته بشرب عشبة الزعتر مع الزنجبيل, ومنهم من نصحه بتناول الثوم والبصل لتقوية جهاز المناعة. وبما أن هذه الطرق طبيعية ومن المفترض ألاّ يكون لها تأثير سلبي على صحة الفرد, رضخ جو لنصائحهم وبدأ يشعر بعوارض أشدّ قوّة مترافقة مع وجع مؤلم في الرئتين ونزيف حاد في الأنف, فدخل الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي حيث أجريت له الفحوصات الطبية الكاملة لمعرفة سبب تدهور حالته الفجائية, فاكتشف الطبيب المعالج أن لدى جو حساسية مفرطة على الزنجبيل, الأمر الذي سبّب له الكحّة والورم. أما خليط الزنجبيل والزعتر والثوم الذي قام بتناوله فسبّب له تهيّجاً في جهازه الهضمي, بالتزامن مع فيروس كورونا الذي أصاب جهازه العضمي أيضاً, وغيرها من المشاكل. فبدأت رحلة جو العلاجية من وباء كورونا من جهة ومن مضاعفات نصائح البعض من جهة أخرى, وتسبّبت له هذه النصائح بخدوش في الرئتين وارتفاع في ضغط الدم لمدة ٦ أشهر بعد شفائه من الفيروس ولا يزال حتّى اليوم يعاني منهم.
"الكورونا مش مزحة ولا لعبة, وما فينا نستند إلّا على العلم بهيدي الفترة الدقيقة...كفى!". بهذه الكلمات وصف الدكتور الاختصاصيّ في الأمراض الجرثومية والمعدية جيلبير الحلو الواقع الأليم الذي يعاني منه المجتمع اللبناني اليوم نتيجة انتشار الأخبار المغلوطة والشائعات المفبركة حول علاجات وطرق الوقاية من فيروس كورونا المميت عبر السوشيل ميديا.
استهلّ الدكتور المُعالج في مستشفى جبل لبنان حديثه بضرورة نشر التوعية حول الأخبار الزائفة التي تطال جائحة كورونا, مشيرًا الى أنّ النصائح الوقائية التي يُقدّمها البعض قد تؤدّي الى اشتراكات صحيّة لدى المصابين, والى أخرى نفسيّة عند الأصحّاء الذين سيهلعون عند سماعهم بتدهور حالة مصاب بوباء كورونا, وهنا الخطر الأكبر في حين أنّ نصف العلاج يعتمد على صحّة الفرد النفسيّة ومدى تقبّله لمرضه أو واقعه الصحيّ, محذّرًا ممّا قد تُسبّبه تلك الشائعات من عوارض نفسيّة وصحيّة سلبيّة على المصاب بشكلٍ عامٍ, كما على محيطه والمجتمع أيضًا.
وقال الحلو: "المشكلة الأساسيّة اليوم ليست بإنتشار الفيروس أو مدى خطورته, إنّما بأسباب هذا الإنتشار أو تدهور حالة المريض الصحيّة, وهذا ما نلاحظه أخيراً كأطبّاء, عندما يأتينا مصاب كوفيد يُعاني من عوارض معيّنة جانبيّة نتيجة تناول بعض الوصفات الشعبيّة, فهذا أمر غير معقول ولا يمكننا أن نستند على أيّ مرجع في مثل هذه الحالات إلاّ إذا كان طبيًّا أو علميًا, أو ما كانت فائدة المستشفيات والأطبّاء إذا كان العلاج الطبيعي هو الحلّ؟". أمّا على صعيد اللُقاح, فدعا الحلو الى عدم التسرّع في نشر الأخبار الكاذبة حوله, مؤكدًّا أن الجسم الطبّي اللبنانيّ في حالة استنفار وطوارئ لم يشهدهما من قبل, وأنّ حجم الاستفادة من اللقاح وفقًا للدراسات العلميّة والتوصيات الطبيّة أكبر بكثير من مخاطره, الأمر الذي يُفسّر اعتماده عالميًا في مختلف الدول.
كما شدّد على أهميّة استشارة الطبيب في حال الشعور بعوارض الوباء قبل اللّجوء الى المنصّات الالكترونيّة والاستشارات الطبيّة الكاذبة والمفبركة التي أوصلتنا الى مرحلة تفشّي الوباء, بحسب رأيّه.
بعيدًا عن الشقّ الطبّي, اعتبرت الاختصاصيّة في مجال الإعلام والتواصل الدكتورة ماريا بو زيد, أنّ الخطر الداهم والحقيقيّ اليوم يكمن في تحوير وتشويه المعلومات الطبيّة والعلميّة, ولا سيّما من قبل قادة الرأيّ العام, مثلالفنّانين والممثلين, وكلّ من يملك تأثيراً مباشراً على المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعيّ, مشدّدةً على أنّه من غير المفروض إستخدام هذه المنصّات لتناقل الأخبار غير الدقيقة, ولإثارة الذعر والقلق لدى المواطنين في هذه الفترة الحسّاسّة.
كما أكدّت بو زيد على احترامها المُطلق لحرّيّة الرأي والتعبير, ولكن هنا تبدأ المسؤوليّة الفرديّة والمجتمعيّة التي يجب أن نتحلّى بها, بعيدًا عن المزايدات البالية التي من شأنّها إلحاق الأذى الصحيّ والنفسيّ بالبعض.
أمّا بشأن العلاجات الطبيعية التي لاقت رواجًا كبيرًا عبر المنصّات الإلكترونيّة, فأشارت الى أنّنا نواجه اليوم عالمًا افتراضيًا يُعطي لكلّ فرد منبرًا لنشر ومشاركة الأفكار والآراء وهذا أمرٌ جيّدٌ, لكن المغالاة وسوء الإستخدام دفعا شركة فايسبوك الى حظر بعض المواقع والأشخاص ضمن الخطّة التي وضعتها لمكافحة الشائعات والأخبار المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ, إلاّ أنّ هذا الأمر لا يُعتبر كافيًا, بحيث أنّه من الصعب تقييد أو ضبط الجيوش الإلكترونيّة, لذا ينبغي على كلّ مستخدم التحقّق من مصدر المعلومة ودقّتها قبل تناولها, ولا سيّما قبل الإقدام على تناول أيّ علاج أو أقلّه استشارة الطبيب المعالج لتفادي العوارض الجانبيّة.
أما الاختصاصية في علم النفس ليا حرب فأشارت, في معرض حديثها عن أسباب لجوء بعض المستخدمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى هذا النوع من الأخبار, الى أنّ دماغ الإنسان بشكل عام مبرمج بطريقة تدفعه الى طرح التساؤلات وتغيير آرائه بشكل فُجائيّ عند شعوره بخطر داهم معيّن, في حين تطغى هذه المشاعر على الشخص تلقائيًّا ويقوم بتصديق أيّ خبر أو إشاعة ليُطمئِن نفسه, وليُثبت أيضًا أنّ تلك الهواجس كانت حقيقيّة وليست من نسج الخيال.
من جهة أخرى, أكدّت حرب أن طريقة عمل دماغ الإنسان تختلف من شخص إلى آخر وفقًا لبيئة هذا الشخص ونمط حياته وظروفه وعلاقاته الاجتماعيّة. كما أكدّت أنّ عدداً كبيراً من المستخدمين رفضوا تصديق الأكاذيب المتعلّقة بفيروس كورونا عبر "السوشيل ميديا", في حين انصاع قسم كبير منهم لها وأصبح يعتاش عليها لأسباب مختلفة.
ونبّهت أيضًا من مخاطر تصديق هذا النوع من الأخبار التي قد تُلحق الأذى النفسيّ والذهنيّ للشخص, وفي أغلب الحالات قد تُسبّب الإكتئاب.
واعتبرت حرب أنّ السبب المُباشر لتصديق الشائعات يعود الى أنّ وباء كورونا يُعتبر علميًّا حدثاً فُجائيّاً وجديداً لم يختبره عقل الإنسان من قبل, والإنسان في تكوينه ينجذب للمجهول, وبالتالي هذا التغيير طرأ في ظلّ ظهور السوشيل ميديا, ما جعلَ الأمر أكثر تعقيدًا.
لا يسعنا سوى القول إنّ الشائعات مشكلة حقيقيّة لا يمكن السيطرة عليها, وأثرها على المجتمع خطير جدًّا, لذلك من المهمّ التأكدّ من الأخبار قبل تداولها على نطاقٍ واسعٍ, كي لا نقع في فخّ الوسائل الافتراضيّة, وكي لا نكون سبّبًا في أن يفقد أحد الأشخاص حياته.