تكفلت الازمة الاقتصاديّة التي عصفت بلبنان في تغيير الكثير في عادات اللبنانيّين بعدما أصبح الاستهلاك يحتاج الى الكثير من الاموال, فركّز المواطنون إهتماماتهم على "الاساسيّات" أي الطّعام وما يجب إمتلاكه لتسيير الحياة اليوميّة, أما ما فسد أو تلف وأمكن إصلاحه فبات يذهب الى أصحاب الاختصاص والمهن التي ماتت في السنوات الاخيرة الماضية, وعادت لتعيش من جديد في ظلّ الاوضاع الصّعبة في لبنان.
خياطة, إصلاح أحذية, إصلاح أدوات كهربائيّة على أنواعها, تنجيد... وغيرها من المهن التي زاد الطّلب عليها في الاونة الاخيرة, بعدما تهافت اللبنانيون على إصلاح كلّ ما تعطّل ريثما يستقيم الوضع وترسو العملة الوطنيّة على برٍّ آمن. لكنّ المفارقة هي أنّ لائحة الاسعار لدى أصحاب هذه المهن زادت مع ارتفاع سعر صرف الدّولار باعتبار أنه ارتفع سعر المواد المستخدمة, فأصبح تقصير بنطال على سبيل المثال يكلّف 20 ألف ليرة بعدما كان في الماضي 5 آلاف فقط, أما إصلاح الادوات الكهربائيّة فيمكن أن تكون فاتورته باهظة خصوصاً في حال إستبدال قطعٍ متضرّرة بأخرى جديدة, لأنّ التسعير يكون على الدولار كون هذه القطع مستوردة من الخارج.
ولكن, ورغم إرتفاع أسعار "التصليح", تبقى الكلفة أقل بكثير من شراء قطع وأغراض جديدة. وقد عادت الى الواجهة أيضاً نشاطات عرفها اللبنانيّون إبان الحروب كالحياكة مثلا, فنجد أمّهات يقمن بحياكة ثياب من الصّوف لاطفالهنّ لانّ أسعار الملبوسات للكبار والصّغار أصبحت "نار"!
تحوّلت الازمة الاقتصادية والمعيشيّة في لبنان الى نعمة لدى بعض أصحاب المهن القديمة, وها هم اللبنانيّون "يرقّعون" حاجاتهم وأغراضهم ويعيدون تدويرها لاستعمالها من جديد تحسّباً للاسوأ, الذي, وإن حلّ علينا, فلن يعود هناك ما نصونه ونُجبّره, ففي الجحيم المنتظر... لا تغيير ولا إصلاح ولا حتّى ترقيع!