لم يفتئ لبنان المتنوع بأعراقه وجنسياته وطوائفه بأن كان منارة الشرق الأوسط وسويسرا الشرق, هذا اللقب الذي رافقه سنون طوال كونه تميز بسحر جمال سويسرا وتمتع بكونه المركز المالي للشرق الأوسط فكان لبنان الصغير حجما" الكبير مكانة" محور الدول ومحط أنظار العالم بأجمعه.
وجاء من فتن بجمال البلد الصغير حتى كاد يراه بيئة خصبة لتنفيذ المحاصصات فكان لا بد من تفرقة شعبه كي تتمكن أنياب الليث بالغروس في كبده فكانت أفضل وسيلة للتفريق بث روح الطائفية والمذهبية وحقن العقول والقلوب بالبغضاء والكراهية, وبعد أن كان لبنان في اوج مجده امتدت يد الغدر لتنال من عذرية البلد الجميل ودخلت الحرب الأهلية من أبوابها العريضة, وبكل شراسة وقوة اتت الحرب لتريق دم البلد الصغير المشرذم وراحت الطائفية تنخر عظام الانظمة, وأتى الاختلاف الديني ليزهق روح الوردة الطاهرة ويشوه صورتها لتسقط كافة القيم الأخلاقية والسياسية في أرض المعركة تاركة لبنان الجريح مذبوح على أبواب الدول يستجدي النجدة للخلاص.
بعد أن شرذمت الحرب الأهلية - والتي كانت حرب الآخرين على أرضه- انتهت بعد أن أغرقت أبناءه وقسمتهم أقسى تقسيم لعله التقسيم الطائفي.
وبعد انتهاء المعارك التي لا ناقة ولا جمل للبنان فيها , جاءت وثيقة الوفاق الوطني اللبناني لتمحو فصلاً وتبدأ كتابة فصلٍ جديد من فصول الحرب .
وبعد زهق الآلاف من الأرواح, بدأت الأحزاب بالحرب الباردة وما كاد المواطن اللبناني يلتقط أنفاسه حتى أتى من يزيده غرقا" ويسحقه بمرحلة جديدة اسوء من التي سبقتها.
وراحت الأحزاب تتحكم بأواصر الوطن إذ لم تعمل يوما" على دينامية توافقية داخلية بل كانت دائما" تتأثر بالصراعات الخارجية, فكلما هبت ريح تصادم خارجي كانت الأحزاب تدخل في صراع وتصادم داخلي فيما بينها يذهب ضحيته البلد الصغير.
واخذت الطبقات السياسية تتشكل من رؤساء الأحزاب وراحوا يكرسون معايير التقسيم والتشتيت بدل لم شمل ما فرقته الحروب. وعملت هذه الطبقات على تكريس الفساد على أنه غطاء طائفي لا يمكن ازاحته والا سيتعرض السلم الأهلي للتزعزع, وراحت تبني المؤسسات على أسس تحاصصية وتشرعن الفساد حتى بات نظاما" بحد ذاته وأصبح الجميع يدورون في حلقة هذه المنظومة إلى أن امتدت ايديهم إلى مال الدولة وأصبح المواطن يدور في حلقة مفرغة لا هو قادر على تخطي هذه المنظومة ولا على تغييرها.
ان تفشي الفساد منع أي وجود لاي هيكلية اقتصاد منتجة مما أضعف جميع المؤسسات؛ هذا وجاء تقاعس الحكومات المتعاقبة في تنفيذ اي إصلاحات ولا اي مشاريع تنموية تساعد في تخطي الأزمات. اما المواطن المقهور فقد اخضعته السلطة الحاكمة لحكم المافيات, فلبنان تحكمه عصابات من اللصوص ومافيات الاحتكارات, منظومة حاكمة لا علاقة لها بفن الحكم وطبقة فاسدة حولت الفساد إلى نظام سياسي تحت غطاء المقاومة " او ما يسمى مقاومة" التي أجمعت قواها على تنفيذ إنجازات تسليم لبنان للوصي الإيراني حيث اوهمت اللبنانيين بالدفاع عن الأرض لتتغلغل في جميع منافذ الدولة ومد شبكة اخطبوطها إلى أسس الادارات للسيطرة على جميع مفاصلها من أجل تسهيل استحكامها في رقبة البلد وخنقه, وهذا ما آلت إليه الأمور من ارتفاع جنوني للدولار وانهيار معظم المؤسسات والرزوخ تحت مشيئة الدول الغربية واستدراج لبنان رهينة" وادراجه تحت لائحة الإرهاب ما أدى إلى انيهار داخلي ذاتي على يد ابناءه .وحيث انه أصبحت الحلول السياسية والكلام السياسي حبرا" على ورق لم يحمل اي إصلاحات لا يسمن ولا يغني من جوع مما انتج نظاما " هشا" يستند السياسيون عليه بالتلويح دائما" بشبح الحرب الأهلية.
وبات المواطن اللبناني كورقة الشجر يتقاذفه أولياء نعمته يمينا" ويسارا" وبات الوطن ينزف جراحاته كل يوم وتتقطع اوصاله ويأن وجعا" حتى بات بحاجة إلى العنايةالفائقة المركزة.
وبعد؛
انطفأت شعلة الوطن واصابه ما اصابه من تشوهات وعاهات نتيجة الصراعات والتنازعات, شُوه وجهه الحضاري والثقافي وبات يتقاذف ابناءه الأمواج العاتية حتى تشتت اوصالهم في جميع اصقاع الأرض حيث تركو مرتمين على أرصفة الضياع لا حاضر لهم ولا مستقبل واخرون جرفتهم سيول الغربة القاسية وهجرتهم نحو آمال افضل, ومن بقي بقي يصارع الحياة جوعا" وعطشا" ومرضا" وبات يواجه العوز والحزن والموت يوما بعد يوم.
وهكذا غاب لبنان الأرز والشموخ وتكسرت الأمال والاحلام وساد الظلم وأُقفل آخر باب من أبواب التنوع والحرية والاستقلال ليُفتح مكانه باب العصبية والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
ويختم لبنان جراحاته بذكرى استقلال يرزح فيها ابناءه تحت استغلال ونهب وفساد واحتيال من اشباه رجال علقنا عليهم الأمال والامجاد.
عبدالرحمن أحمد ياسين