فوضى معطوفة على جشع متوحش. هذا أقل ما توصف به حالة الفلتان المتفشية كالنار في الهشيم في مختلف الأسواق, وخصوصاً تلك التي تبيع المواد الاستهلاكية الأساسية والسلع الغذائية الضرورية. فالأسعار عملياً من دون حسيب أو رقيب, وكل محاولات وزارة الاقتصاد والمديرية العامة لحماية المستهلك تبدو عاجزة عن لجم الأسعار المتفلتة, فيما قدر المواطن المتروك لمصيره, في دولة العجز والفساد, أن يدفع الثمن دائماً.
تلفت مصادر اقتصادية معنية, عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني, إلى أن "الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية الخانقة التي يعيشها لبنان, وتراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل العملات الصعبة, خصوصاً الدولار, انعكست ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع والخدمات ومعدلات التضخم. لكن ما نلاحظه في غالبية السوبرماركت والمحلات التجارية على أنواعها, من عدم تناسب بين ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار السلع والبضائع, يؤكد أن حالة من الفجع تسود لدى معظم التجار".
وتضيف, "صحيح أن سعر الصرف وصل أحياناً إلى الـ10.000 ل.ل مقابل الدولار الأميركي, ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك ارتفاعاً في الأسعار, نظراً لأن الاقتصاد اللبناني مدولر بنسبة تفوق الـ80% ولبنان يعتبر بلداً مستورداً لمعظم السلع وبنسبة تفوق الـ90% من حاجاته الاستهلاكية المختلفة, لكن لا شيء يبرر الفلتان الحاصل", مشددة على أن "استغلال الوضع من قبل التجار والمستوردين الكبار المتحكمين بالسوق, يفوق بما لا يقاس ارتفاع الأسعار المنطقي إلى حد ما والمرتبط مباشرة بارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء".
وتوضح, أنه "في كل مرة يسجل الدولار ارتفاعاً في سوق الصيرفة, يرافقه على الفور ارتفاع في أسعار السلع خلال ساعات معدودة. بينما حين ينخفض سعر الصرف تبقى الأسعار على حالها المرتفعة لأيام وأسابيع قبل أن تعاود الانخفاض, الذي يحدث نادراً, لكن بالتأكيد ليس إلى معدل انخفاض الدولار فعلياً".
وتعرب المصادر ذاتها, عن "دهشتها واستغرابها لمدى استهتار بعض التجار وأصحاب السوبرماركت بالمواطنين, إذ باتت الأسعار لا تختلف بين يوم وآخر وساعة وأخرى فقط, بل بين رفوف السوبرماركت والصندوق. ونكاد لا نجد مواطناً لم يمرّ بهذه التجربة, بحيث يلتقط سلعة عن الرف على سعر معين ليتفاجأ بسعر مختلف على الصندوق. ولدى الاستيضاح عن الموضوع يأتيه الجواب ارتفع الدولار ولم نتمكن بعد من تغيير الأسعار على السلع! وكم من المواطنين يتعرضون للإحراج والمهانة إذ يُضطرون للاستغناء عن نصف سلتهم الغذائية".
وتشير, إلى أن "تحسن قيمة الليرة وتراجع سعر صرف الدولار في الأيام الماضية بالتزامن مع تكليف الرئيس السابق سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة, إذ وصل إلى نحو 6300 ل.ل للدولار, لم يرافقه كالمعتاد انخفاض في الأسعار. والحجة الدائمة لدى المستوردين والتجار أن أسعار البضائع والسلع في السوبرماركت والمحلات التجارية مستوردة على سعر الدولار المرتفع وبحاجة إلى وقت لتصريفها, ولا يمكن أن تواكب تراجع سعر الدولار بالسرعة ذاتها, متناسين أن ارتفاع أسعار السلع يتم بسرعة صاروخية حين يرتفع سعر الصرف".
لكن المصادر الاقتصادية المعنية, تؤكد, أنه "لا يغيب عن حساباتنا أن التجار والمستوردين تأثروا إلى حد كبير بالأزمة الاقتصادية والمالية, والتضييق على حساباتهم وودائعهم كغيرهم من المواطنين يجعلهم يواجهون صعوبات أكيدة. لكن على هؤلاء أن يتعاطوا مع الوضع القائم من زاوية القدرة على الصمود والاستمرار بالحد الممكن المقبول إلى أن تنحسر الأزمة, لا الاستمرار في اعتماد القواعد التجارية القديمة ذاتها بهدف تحقيق أكبر نسبة أرباح ممكنة. علماً أن هذا الأمر بات مستحيلاً عملياً نظراً لتراجع القدرة الشرائية لدى أكثر من 80% من الشعب اللبناني, الذي بات همّه الأول تأمين لقمة العيش والدواء".
وتشدد المصادر, على أن "كل التبريرات والحجج التي يتذرع بها معظم التجار الكبار والمستوردين المتحكمين, لا تستقيم في غالبيتها, إذ لا يزالون بالعقلية التجارية ذاتها وكأن لا أزمة في البلاد, ولا ثقة بوعود البعض بانخفاض الأسعار قريباً. علماً أن استغلالهم لحاجة الناس إلى سلع معينة لا يمكن الاستغناء عنها, ورفع أسعارها من دون إقامة أي اعتبار إلى قدرة الناس على الاستمرار في ظل الانهيار المتمادي, سينعكس عليهم في نهاية الأمر تراجعاً في مبيعاتهم وحركتهم التجارية".
وتتخوف, من أن "الأمور لا تبدو مبشرة في المدى المنظور, نظراً لأن القواعد التي يتم على أساسها تشكيل الحكومة العتيدة لا تختلف كثيراً عمّا سبق, في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر الذي بات يسكن بيوت أكثر من 70% من اللبنانيين".
وتضيف, "يكفي متابعة التقرير الذي نشره صندوق النقد الدولي عن توقعاته حول أوضاع الاقتصاد اللبناني, لمعرفة حجم الكارثة. فالأرقام بحسب الصندوق سجّلت تراجع النمو في العام الحالي وانكماشاً حاداً بنسبة 25٪, مع انخفاض حجم الاقتصاد من 52.5 مليار دولار في العام 2019 إلى 18.7 مليار دولار في العام 2020. أما في شأن غلاء الأسعار, فيتوقع الصندوق ان يرتفع معدل التضخم والارتفاع بأسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 144.5٪ مقارنة مع العام الماضي, وهذا الرقم هو مستوى قياسي لم يسجل منذ العام 1992".