يبدأ اليوم الرئيس المكلف سعد الحريري اختبار )مكامن( الكتل النيابية, التي سمته, وتلك التي لم تسمه, في تأليف )حكومة مهمة( لستة اشهر, من اختصاصيين, غير حزبيين, وفقا لمندرجات المبادرة الفرنسية, من اجل امرين: وقف الانهيار واعادة اعمار بيروت بعد انفجار 4 آب الماضي.
ومن قصر بعبدا, وبعد تسميته, في لقاء جمعه الى الرئيسين ميشال عون ونبيه بري, ذكر الرئيس الحريري بأن الكتل التزمت في قصر الصنوبر, باللقاء مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون, في 2 ايلول الماضي بتطبيق المبادرة الانقاذية, وبدعم تأليف حكومة مهمة.
ولاحظت مصادر مطلعة ان الرئيس الحريري بعدما نجح في فرض تسمية رئيس الحكومة المكلف من دون التنسيق والتشاور المسبق مع النائب جبران باسيل كما كان يحدث في حكومتي العهد الاولى والثانية وما ادى اليه هذا الخلاف الحاد من جفاء وانقطاع التواصل بينهما, ولدى لقاء الرؤساء الثلاثة لابلاغ الرئيس الحريري بنتائج الاستشارات النيابية الملزمة وعدد النواب الذين ايدوه, تدخل بري لتبريد الاجواء واقترح إعادة التواصل بين الحريري وباسيل لتسهيل وتسريع خطى تشكيل الحكومة الجديدة ومباشرة مهماتها لإنقاذ البلد, على ان يشكل لقاء الحريري بكتلة لبنان القوي برئاسة باسيل في المشاورات غير الملزمة التي يجريها الرئيس المكلف اليوم بالمجلس النيابي اول خطوة على الطريق, على ان يليها بعد ذلك لقاءات اخرى بين الطرفين في وقت لاحق, لاعادة العلاقات بينهما الى طبيعتها.
اما الاهم بعد ماحصل فهو موضوع تأليف الحكومة ومدى الوقت الذي تستغرقه في ظل المواقف التي رافقت عملية تسمية رئيسها والمسار الذي ستسلكه لاحقا, بينما يلاحظ من كلام رئيس المجلس النيابي عن توجه ملحوظ لتسريع عملية التشكيل واشارة الحريري في كلمته التي ألقاها في بعبدا إلى ضرورة تسريع ولادة الحكومة, حدوث تفاهم بين الرؤساء الثلاثة يقضي بتسريع عملية التشكيل لان اطالة أمد التشكيل وتقطيع الوقت سدى, لن يكون في مصلحة لبنان التي تتطلب سرعة قصوى لكسب الوقت ومباشرةالتفاوض مع المؤسسات والصناديق المالية الدولية فورا واتخاذ الخطوات المطلوبة لحل الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان حاليا.
والحكومة التي يعتزم الرئيس الحريري تأليفها وهي الرابعة منذ 2009, سبقتها مشاورات واتصالات, لبنانية ودولية, لا سيما فرنسية وبريطانية, بهدف انتزاع تأييد فعلي لبرنامج الحكومة التي ستؤلف لوقف الانهيار الاقتصادية والنقدي, والمالي, والذي اصاب كل اوجه الحياة في هذا البلد.
ولاحظت مصادر سياسية مطلعة ان الطبقة السياسية امام الاختبار الأخير, بعد الفرصة التي منحت لها, لاختبار قدرتها على وقف انهيار البلد, الذي سببت سياساتها ونزاعاتها, وضعه على سكة الازمات القاتلة, الى الدرجة التي يعيشها اللبنانيين.
واشارت المصادر الى التغريدة ذات الدلالة, وهي اول موقف دولي من التكليف, التي اعتبر فيها المنسق الخاص للامم المتحدة يان كوبيش, انه لا يمكن الاستمرار بتسييرالامور او انقاذ البلد بدون حكومة فعالة, وداعمة للاصلاح.
وخاطب المسؤولين: لا تنتظروا المعجزات من الخارج (في اشارة الى الانتخابات الاميركية) والدول المانحة, فالانقاذ يجب ان يبدأ في لبنان.
وضمن مسار السرعة لا التسرع, حددت دوائر المجلس النيابي موعداً للاستشارات النيابية غير الملزمة للرئيس الحريري مع الكتل النيابية بدءاً من الواحدة والربع بعد ظهر اليوم وحتى الخامسة إلا ربعا, فيما إكتفى الرئيس الحريري بالتشاور فوراً هاتفيا مع رؤساء الحكومات السابقين بمن فيهم حسان دياب, )لدواع امنية بدل الجولة التقليدية عليهم وتمنوا له التوفيق(, حسب بيان عن مكتب الحريري, لتبدأ مسيرة تاليف الحكومة التي تراوحت التقديرات بين ان تكون سهلة بدعم من القوى التي سمت الحريري ومتعسرة بسبب مواقف بعض الكتل الاخرى من شكل الحكومة وتوزيع الحقائب فيها عدا عن برنامجها, لا سيما موقف كتلة التيار الوطني الحر التي دعا رئيسها النائب جبران باسيل من بعبدا بعد الاستشارات )الى تشكيل حكومة تكنو- سياسية(, خلافاً لما اعلنه الحريري. وقال: تكليف الحريري هو امر مفهوم ومقبول ميثاقيا ولو فيه خروج عن المبادرة الفرنسية, ويضعنا امام قواعد تأليف ميثاقية في حكومة تكنوسياسية في مهمة ومهلة محددتين. هذه القواعد نتحدث عنها في مرحلة التأليف مع بدء الاستشارات النيابية مع الرئيس المكلف, وننتظر ان يبلغنا بنواياه في معايير التأليف وكيف ستكون محددة وموحدة مع كل الأطراف والمكونات, وعندها نحدد موقفنا من عملية التأليف(.
وظهرت اولى بادرات التنسيق الايجابية, بتراجع سعر صرف الدولار, اذ سجّل سعر صرف الدولار انخفاضاً ملحوظا في السوق السوداء, اذ بلغ مساء امس 7.150 ليرة لبنانية للمبيع و7050 ليرة للشراء.
والامر الذي توقف عنده المراقبون ماقاله النائب محمد رعد باسم كتلة الوفاء للمقاومة من ان )التفاهم الوطني هو الممر الإلزامي, لحفظ لبنان وحماية سيادته ومصالحه, ونجاح العملية السياسية, وتحقق مصالح اللبنانيين يتوقفان على هذا التفاهم(.
وقد حضر الرئيس المكلّف الى قصر بعبدا حيث عقدت خلوة ثلاثية ضمّت الرؤساء عون ونبيه بري والحريري, قال بعدها بري: الجو تفاؤلي بين الرئيسين عون والحريري, والتشكيل سيحصل في وقت اسرع من المتوقع, وسيكون هناك تقارب بين تياري )المستقبل( والتيار الوطني.
وخرج التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل من معمعة الاستشارات الملزمة, ويده على سلاحه, كما يقال, فلا توقيع على مراسيم التأليف (في اشارة الى موقف رئيس الجمهورية) ما لم تكن الحكومة ميثاقية.
هنا بيت القصيد الخلافي, الذي سيكون على طاولة المتابعة, وإن بدت الاجواء المحيطة تكبر لدرجة تحول دون تعطيل عملية التأليف, كما تعطلت عملية التكليف..
ورجح مصدر قريب من تكتل لبنان القوي, مشاركة النائب باسيل مع وفد من التكتل في الاستشارات اليوم في مجلس النواب.
الموقف الاميركي
ولم يتأخر الموقف الاميركي من التطور السياسي الجديد, الذي قضى بتكليف الرئيس الحريري رسمياً تأليف الحكومة. فسارع مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شنكر (المكلف من ادارته رعاية مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل) رداً على سؤال صحفي: )نقف مع الشعب اللبناني(...) ولا زلنا نصر على ضرورة أن تنفذ أي حكومة جديدة إصلاحات, وتتبنى الشفافية وتحارب الفساد(. وأضاف: )هذا ما قالت الولايات المتحدة تكراراً إنها شروطها للحصول على دعمها(.
.