لعلّها من المرّات القليلة التي يطلّ فيها لبنان على استحقاقين خلال يومين متتالييَن؛ انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبريّة مع العدو الاسرائيلي غداً الاربعاء, والإستشارات النيابيّة الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديد بعد غد الخميس. وعلى هذين الاستحقاقين تترتّب آثار مباشرة على مجمل المشهد اللبناني حاضراً ومستقبلاً, لارتباط ترسيم الحدود باستقرار اقتصادي موعود ولو مستقبلاً, واستفادة لبنان من ثرواته الغازية والنفطية, ولارتباط استشارات التكليف بالاستقرار السياسي الآني, واعادة ضبط الواقع الداخلي على حكومة جديدة ممنوحة سلفاً فرصة انقاذية محصّنة بالمبادرة الفرنسيّة ومن خلفها المجتمع الدولي.
مما لا شك فيه, أنّ كلا الاستحقاقين حاجة ملحّة للبنان, الذي لا يملك خياراً في مواجهتهما, سوى أن يتجاوزهما بما تقتضيه مصلحة هذا البلد, وفوق كل الاعتبارات والحسابات والحساسيات.
اربعاء الترسيم
وتبعاً لذلك, فإنّ لبنان أمام اسبوع حاسم, خصوصاً وأنّه صار مربوطاً فيه بعدّادين تنازليّين:
العدّ الأول, لدخول السلطة السياسية الى الإختبار الصّعب في "أربعاء الترسيم", بالحدّ الاعلى من الجهوزية, لخوض معركة تثبيت الحدود البحرية والبرية مع العدو الاسرائيلي, ولعلّ سلاحها الفعّال, ليس فقط التأكيد على حق لبنان بكامل مياهه وترابه, بل أن تحصّن نفسها بكلّ أدوات تفكيك المكائد والكمائن والألغام والعبوات التي قد يزرعها العدو في طريق المفاوض اللبناني, ومحاولة صدّ اي محاولة تحايل, يُقدم عليها العدو, لحرف اتفاق اطار مفاوضات ترسيم الحدود عن مساره المحدّد, وتوجيه الامور في اتجاهات اخرى, تتجاوز هذا الاتفاق, الى ما يمكن ان يخدم مصلحة العدو على حساب الحق اللبناني.
في المعلومات حول هذا الموضوع, فإنّ التحضيرات قد أُنجزت لإقامة احتفاليّة في مقر قيادة "اليونيفيل" في الناقورة, لانطلاق مفاوضات الترسيم بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي برعاية الامم المتحدة وحضور مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد شينكر, والسفير جون ديروشر, الذي سيكون الوسيط الاميركي لهذه المفاوضات.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الاميركية, انّ "شينكر سيشارك في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات حول الحدود البحرية بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية التي يستضيفها منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان يان كوبيتش". وكشفت الوزارة, أنّ "السفير جون ديروشر سينضمّ إلى شينكر وهو سيكون الوسيط الأميركي في هذه المفاوضات".
وذكّرت الوزارة بما كانت أعلنته سابقاً "من أنّ الاتفاقية الإطارية لبدء المناقشات حول الحدود البحرية تُعتبر خطوة حيوية للمضي قدماً, وتوفّر إمكانية تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والأمن والازدهار للمواطنين اللبنانيين والإسرائيليين على حدّ سواء".
وفي هذا الاطار, اعلن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية تشكيل الوفد اللبناني الى التفاوض التقني لترسيم الحدود الجنوبية. وتألف من العميد الركن الطيار بسام ياسين رئيساً, العقيد الركن البحري مازن بصبوص, عضو هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط, الخبير نجيب مسيحي, اعضاء. وعلمت "الجمهورية", انّ عون سيجتمع مع اعضاء الوفد المفاوض اليوم.
واللافت في هذا السياق, الكتاب الذي وجّهه الامين العام لمجلس الوزراء محمود مكيّة حول تشكيل الوفد اللبناني الى التفاوض التقني لترسيم الحدود, اشار فيه الى "انّ التفاوض والتكليف بالتفاوض بشأن ترسيم الحدود يكون باتفاق مشترك بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء, مشيراً الى انّ اي منحى مغايراً يشكّل مخالفة واضحة وصريحة لنص الدستور".
خميس الاستشارات
واما العدّ الثاني, فهو لحسن مقاربة الطاقم السياسي للملف الحكومي, والتأسيس في "خميس الاستشارات" لخواتيم مريحة تحسم تكليف رئيس الحكومة الجديدة, وتخرج استحقاق تأليفها من دائرة التعقيدات والتجاذبات والموانع التي تحول دون اتمامه.
واذا كانت طريق هذا الاستحقاق تبدو مزروعة بالنيات الحسنة, تبعاً للمواقف العلنيّة التي يبديها السياسيون, والتي تركّز في مجملها على الحاجة الملحّة الى حكومة تشرع فوراً في الخطوات الاصلاحيّة والإنقاذيّة للبلد, إلّا أنّ مصادر معنية بالملف الحكومي أكّدت لـ"الجمهورية", أنّ "النيات تبدو حسنة, الّا أنّ التجارب السابقة مع الطاقم السياسي نفسه, لا تشجّع على المجازفة في اعتبار تلك النيات حسنة بالفعل, بل أنّها توجب إبقاء الحذر منها قائماً حتى يثبت ذلك بالملموس, وخصوصاً أنّ الاستحقاقات المشابهة كانت تبدأ بنيات حسنة, إلّا انّها سرعان ما كانت تتعثّر بأوراق مستورة, وبدخول الشياطين في كلّ التفاصيل, وتعيد الأمور الى مربّع التجاذب والإشتباك السياسي".
وبحسب هذه المصادر, فإنّ "إثبات حسن النية هذا, المقرون بالرغبة في تشكيل حكومة في غضون ايام قليلة, يفترض أن يتبدّى في المشاورات التي شرع فيها الرئيس سعد الحريري, في اجرائها مع القوى السياسيّة من موقعه كمرشّح وحيد لرئاسة الحكومة, للوقوف على موقفها النهائي من المبادرة الفرنسية ومدى التزامها ببرنامجها الاصلاحي, وبالتالي يُترجم في استشارات التكليف بعد غد الخميس".