ولكن...
مصطفى هدى ذلك الشابُ العكاري, ترك أرض الوطن باحثًا عن العلم في " بيلاروس", غادر ولم يكن يعلم أنه لن يعود. ودع والدته على أمل العودة بشهادة تليق به وبها, ولكنه لم ولن يعود. مصطفى ترك لبنان للإلتحاق بالجامعة, ترك عكار للإلتحاق بسنته الدراسية الأولى.. ترك لبنان ولكنه لم يلحق الإلتحاق فتعرض لحادث سيرٍ أودى بحياته بعيدًا عن عائلته والوطن.
كم مؤلمةٌ هي قصة مصطفى, كم مؤلمة هي دمعة والدته, وكم موجعٌ هو ألمُ والده الذي ذهب لمساعدة إبنه ولكنه سيرجع دون مصطفى, سيعود مع مصطفى جثةً هامدة فارقتها الروح والحياة.
هو قضاء الله وقدره لا محال, ولكن ما الذي جعل مصطفى وغيره من الشباب البحث عن العلم بعيدًا عن الوطن والعائلة. الوطن عينه هو الذي جعلهم يتغربون لأجل العلم, لأجل مستقبلٍ أفضل.
ففي وطنٍ يستحيل فيه على متوسطي الحال الإلتحاق بالجامعات الخاصة, في وطنٍ يستحيل فيه على التلامذة الإلتحاق بجامعتهم الوطنية فالأولوية " للواسطة". يكون السفر هو الحل الأوحد, فتبقى التكاليف أقل على عاتق الأهالي الذي يكافحون من أجل تأمينها.
مصطفى لن يكون الأول والأخير, فزميله فارق الحياة العام الماضي في المكان عينه ولكن بعد تخرجه. فتخرج من الجامعة والحياة في آن واحد, فارق عائلته لخمس سنوات ولم يكن يعلم أنها ستكون سنواته الأخيرة.
مئات الطلاب يغادرون لبنان كل عام على أمل العودة, يغادرونه بحثًا عن العلم. ولكنهم يغادرون بغصةٍ بين فراق الوطن الذي لم يعطهم أدنى حقوقهم, وبين دموع عوائلهم على أمل العودة. هو قضاء الله دائمًا ولكن متى سنصحو على وطنٍ ودولة تعطينا أبسط الحقوق, متى سنستفيق على وطنٍ لا يجبرنا على الرحيل وربما الموت بعيدًا في أرضٍ لا تشبهنا.
مصطفى لم ولن يكون الأخير, ولكن متى سنصحو على بلد يعطينا أقل الحقوق؟ متى سنستفيق على وطن يؤمن لنا العلم؟ متى سنستفيق على وطنٍ لا يقتل أحلامنا.
تركوا الوطن بحثًا عن العلم ولكن بقلم ريما الغضبان