تمكنت الجامعة الاميركية في بيروت من فرض قراراتها, لكن لصيقتها الاقرب منذ مدة زمنية, اي الجامعة اليسوعية لم تتمكن من امرار قرار مماثل يعتمد استيفاء نصف القسط الجامعي بالدولار الاميركي, ولو كان "لولارا" اي غير قابل للصرف الا بالعملة اللبنانية. اتخذ مجلس جامعة القديس يوسف قبل مدة القرار الذي لم يصمد الا يومين قبل ان يطلب رئيس الجامعة الاب سليم دكاش وقف العمل به اثر موجة احتجاجات, تصدرها الطلاب, ولحق بهم ذووهم, اذ عليهم تقع اعباء الاقساط. ورغم ان اقساط الطلاب في اليسوعية اقل بكثير من الاميركية واللبنانية الاميركية, الا ان قيادة الجامعة من رهبانية مسيحية كاثوليكية يجعلها اكثر عرضة للانتقاد في المحيط الطبيعي لها. ولم تنفع محاولات اليسوعيين مرارا تأكيد الهوية المستقلة للجامعة كمؤسسة للتعليم العالي, وادارتها في معزل عن القرار الرهباني, لان سمعتها وصيتها والثقة المتعلقة بها نشأت من التاريخ, ولكن ايضا من بقائها في كنف الاباء اليسوعيين.
اليوم باتت الجامعات الخاصة على المحك ايضا. المصاريف ترتفع بشكل جنوني مترافقة مع سعر الدولار في السوق, وقد عملت الادارات في العام الماضي على استيفاء الاقساط بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي اي عند 1515 ليرة في مقابل الدولار الواحد, وعمدت الى تحويلها الى الدولار والدفع بواسطة الشيكات المصرفية, ومحاولة سحب ما امكن وفق السعر المدعون اي 3900 ليرة للدولار الواحد. وقد ادى سوء الاوضاع المالية الى مزيد من التدهور حيث باتت المصارف ترفض التحويل الى الدولار, والقدرة على السحب وفق السعر المدعوم تراجعت الى حد كبير, فيما تضطر الادارات الى شراء السلع الضرورية وفق سعر الصرف 7000 او 8000 ليرة وصولا الى 10000 ليرة لبعض السلع القليلة التوافر.
امام هذا الواقع, وجدت الجامعات نفسها في مأزق دفعها الى لقاء عدد من المسؤولين ومنهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامه بهدف التوصل الى اتفاق على صيغة للدعم او التعاون, لكن الاجوبة كلها جاءت سلبية, اذ لا امكانات متوافرة لمزيد من الدعم.
وعلى رغم انطلاقة السنة الجامعية بالسعر الرسمي للدولار, فان الادارات بدأت البحث جديا في اعتماد سعر اعلى للدولار يحدد وفق 3000 ليرة في المرحلة المقبلة, اي في الفصل الثاني من السنة الجامعية.
اليس في الامر خديعة للطلاب ولذويهم؟ يقول مسؤول جامعي: ابداً, اذا افترضنا اننا لا نبحث عن مصلحة الطلاب, فاننا بالتأكيد نريد لمؤسساتنا ان تستمر وتتوسع. ورفع الاقساط لا يخدم هذا الهدف, بل العكس تماما لاننا نعرف جيدا ونعي الضائقة الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تصيب الجميع, فالمؤسسات ربما اقدر من الافراد على تحمل التبعات, ولكن الى فترة محدودة لم نعلم انها ستطول الى هذا الحد. ننطلق من هنا لنؤكد انه خيار مر وصعب لنا اذا ما اعتمد لاحقا لانه قيد البحث ولم يتحول قرارا نافذا. وقد تفاءلت الجامعات بامكان نجاح المبادرة الفرنسية واعادة دوران العجلة السياسية والاقتصادية. لكن حتى اليوم لا تظهر ايجابيات في الافق. والخوف كل الخوف ان تطول الازمة ما يعرض استمرار مدارس وجامعات ومؤسسات اخرى لخطر الاقفال.
الكل في مأزق. قد لا يتمكن ذوو طلاب كثر من سداد ما عليهم, بدورها الجامعات لن تتمكن من الصمود طويلا من دون المال. الناس يأملون من المؤسسات النظر في اوضاعهم, والجامعات تأمل من الطلاب وذويهم تفهم اوضاعها لتقديم العلم النوعي وضمان جودة التعليم. والكل في حلقة مفرغة, والسياسيون منشغلون في تناتش حقيبة وزارية.