قالها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في 28 أيار الماضي, "سنطعن بقانون آلية التعيينات الإدارية", ونفذها رئيس الجمهورية ميشال عون أمس في 8 تموز.
بعد صولات وجولات, أقر مجلس النواب, القانون المقدّم من تكتل "الجمهورية القوية" والرامي الى تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الادارات والمراكز العليا في المؤسسات العامة, مع تعديل قضى بإلغاء حق الوزير برفع الأسماء إلى مجلس الوزراء.
عوّل اللبنانيون على هذه الآلية, بعدما عاث الفساد في مكامن الإدارة وانتصرت المحسوبيات والمحاصصة والتناتش السياسي البحت, على الكفاءة والكف النظيف.
قلنا في انتصار الآلية, إنها خطوة في مشوار الالف ميل. خير أن تكون متأخرة من الا تأتي ابداً. يومها صوّت حزب الله وتيار المستقبل وحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة كما حزب الكتائب اللبنانية, إضافة الى "القوات اللبنانية" بطبيعة الحال, مع هذا القانون, فيما صوت "التيار الوطني الحر" ضدّه, وهدد رئيسه بأنه سيطعن به.
اليوم وبعد أربعين يوماً, طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من المجلس الدستوري إبطال هذا القانون وذلك لمخالفته الدستور, بحسب تبريره. يتزامن الطلب مع عيون المجتمع الدولي الشاخصة على الإصلاحات التي وعده بها لبنان مقابل أموال صندوق النقد الدولي.
لم تأبه السلطة العظيمة التي أفقرت الناس من دون أن يرف لها جفن أو يؤنبها ضمير, لا لإرادة اللبنانيين ولا لنداءات المجتمع الدولي, واستسلمت للأزلام ولِفَجَع "الأقربين", كما للسلاح الموضوع على الطاولة, الذي يحاول ترهيب اللبنانيين, وجرهم الى محاور الفقر والتعتير.
غريب كيف تكون آلية التعيينات غير دستورية فيما السلاح خارج الدولة, ومصادرة قرارها الاستراتيجي, دستورياً. غريب كيف يكون الفساد والنهب المتفشيان في الإدارة غير دستوريين, بينما تفقير اللبنانيين وتجويعهم, دستورياً. غريب أن نصل بعهد عون الذي لطالما تفاخر باسترجاع حقوق الدولة والمؤسسات… لهون!
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص, توقف عند أهمية قانون آلية التعيينات مؤكداً أنه حاجة للبنان. يعود بالذاكرة الى العام 2017 عندما أقرت سلسلة الرتب والرواتب, لافتاً الى أن الاتجاه كان بإعادة النظر في القطاع العام وتصغير حجمه بصرف فائض الموظفين والتصرف بهم بحسب الحاجة, ووقف التوظيف السياسي وإرساء الحكومة الذكية ومكننة الإدارات العامة, مشيراً الى أن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تتحقق إذا كانت الإدارة والمراكز العليا فيها التي تصنع القرار الإداري, وهي كلها وظائف فئة أولى, خاضعة كلياً للسياسة.
يشير في حديث لموقع "القوات اللبنانية" الإلكتروني الى أن الاتجاه كان بضرورة وجود آلية لتعيين موظفي الفئة الأولى لا تتناقض مع حق الوزير بإدارة وزارته, وتكون قادرة على ابعاد الإدارة العامة عن المحاصصة والزبائنية اللتين طبعتا التعيينات الإدارية منذ فترة طويلة, مع الالتزام بالنسبة المنصوص عليها بقانون الموظفين, لتعيين موظفي الفئة الأولى من خارج الملاك, والمحددة بالثلث فقط, وتم تجاوزها بشكل كبير.
يُذكّر عقيص بأن هذا المطلب عبّر عنه رئيس الجمهورية ميشال عون, في احدى جلسات مجلس الوزراء, عندما قال "لا تطلبوا منا التعيين وفق آلية, لأنه غير منصوص عليها في القانون, وعندما تصدر الآلية سنطبقها", وهذا الكلام المدون رسمياً في مجلس الوزراء, يقر فيه الرئيس بوجوب إصدار قانون لتعيين موظفي الفئة الأولى. يتابع, "تلقفنا هذه الإشارة وعملنا على قانون شبيه بالآلية التي طرحت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان والتي طبقت على تعيينات عدة, وطرحها في حينه وزير التنمية للشؤون الإدارية محمد فنيش, وتمت دراسة القانون في اللجان النيابية وصوتت عليه كل الكتل, باستثناء تكتل لبنان القوي".
يستغرب استعمال رئيس الجمهورية صلاحيته للطعن بدستورية هذا القانون, إذ كان بإمكان التيار او تكتل لبنان القوي ان يفعل ذلك, لكن أن يعمد الرئيس بشخصه الى ذلك, فهذا يوحي بأنه من أجل الضغط النفسي على المجلس الدستوري, لأن هناك فرقاً شاسعاً بين أن يكون القانون مطعوناً به من 10 نواب, أو من رئيس الجمهورية, واضعاً ثقته بالمجلس الدستوري ومتمنياً عليه ممارسة صلاحيته ودوره بغض النظر عن الجهة التي طعنت بدستورية هذا القانون.
يرفض عقيص أن يقال إن هذا الطعن حق دستوري لرئيس الجمهورية, لأننا نعلم ذلك تماماً, متمنياً مقابل استعمال عون كل الحقوق, ان يعمد ولو لمرة الى تنفيذ الواجبات, لأن المسؤولية هي مزيج من الحقوق والواجبات. يضيف, "أن يستعمل الرئيس حقوقه امر خارج النقاش, لكن علينا مناقشته كثيراً في الواجبات, والواجب الاساسي هو المحافظة على مقومات وركائز هذا الوطن, والانتهاء من الزبائنية والمحاصصة. وهذا الواجب يفوق أهمية أي حق قد يستعمله الرئيس".
يجزم بأن هذا القانون هو مطلب وطني جامع, ليتمكن لبنان من الاستعانة بكفاءاته الكثيرة في المناصب الاساسية, إن اردنا فعلاً بناء دولة, مؤكداً أن السلوك السابق هو الذي أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم, وما علينا إلا تغيير أساليب الحكم في إدارة شؤون الناس. ويرى أن وجود آلية للتعيينات الإدارية يشارك فيها مجلس الخدمة المدنية والوزير المختص ووزير آخر, وفقاً لإجراءات شفافة تضمن الكفاءة وتكافؤ الفرص بين كل المواطنين, مطلب لبناني جامع, ويأتي هذا الطعن ليشكل صفعة لهذا الإجماع.
لا يقبل عقيص التبريرات الدستورية التي استند اليها رئيس الجمهورية, مؤكداً أنه اثناء صياغة القانون, تم الأخذ بقرار المجلس الدستوري السابق الصادر عام 2001, ومراعاته مع حفظ دور للوزير المختص, بأن يحدد بنفسه المواصفات ويشارك في اللجنة ويرفع الاسماء الثلاثة التي تختارها الى مجلس الوزراء, كما حفظنا لمجلس الوزراء دوره بالتعيين بموجب مرسوم يتخذ في المجلس ووفقاً للأكثرية المنصوص عليها بالدستور.
ويؤكد أنه لم تتم مخالفة اي نص دستوري, "بل استكملنا المشهد الدستوري وطريقة التعيين المنصوص عنها بالدستور بآلية موجودة بقانون, صوت عليها مجلس النواب ويمكن اعتمادها بكل سهولة, وهي أساسا اعتمدت".
ماذا بعد؟
يطمئن عقيص الى أنه بغض النظر عن قرار المجلس الدستوري, فمعركة آلية التعيينات مستمرة. "إذا أتى القرار لجهة ابطال هذا القانون جزئيا او كليا, فلن نقف مكتوفي الايدي وسنعمل على تقديم اقتراح قانون آخر يراعي ما سيكون عليه القرار الدستوري, وإذا رد المجلس الدستوري الطعن فسنطبقه, لا سيما أن التعيينات الأخيرة تم اقرارها على عجلة لكي تسير خارج الآلية, وهذه سلبية إضافية تسجل على هذه الحكومة وهذا العهد".