الليطاني من جديد, سمّ يأكل أهالي البقاع, صحيّاً وزراعياً, في تلوث يمتد من التربة إلى الهواء, هذا الملف الذي يفتح بين حين وآخر, يقابل بعاصفة من الامتعاض ثم بهدوء مميت يشبه ذلك السرطان الذي يفتك بالأهالي على جانبي النهر!
اليوم فجرت مصلحة الليطاني قنبلة, في خريطة أقل ما يمكن توصيفها بـ"خريطة الموت", التي تكشف 600 حالة سرطانية في بر الياس, هذه البلدة التي شهدت في العام الماضي أكثر من وفاة بمرض السرطان, مع الإشارة إلى أنّ السرطان الذي يصيب أهالي المنطقة هو من النوع الهجومي الذي لا يستجيب للعلاج, وفق ما أكّدت مصادر لـ"لبنان 24".
الخريطة التي نشرتها المصلحة, وُضعت بتقنية نظم المعلومات الجغرافية GIS وتضمنت 600 نقطة حمراء تدل على عدد حالات السرطان المحصاة والمكتشفة بين سكان البلدة.
وركزت الخريطة على مصدري للتلوث في بر الياس, أولهما, نهر "الغزيل", أحد روافد الليطاني, الذي تحول إلى تجمع للنفايات السائلة الصناعية والمبتذلة, وثانيهما مطمر للنفايات الصلبة للبلدات المجاورة.
ولكن ما الحل؟!
للإجابة عن هذا السؤال تواصل موقع "لبنان 24", مع مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية, الذي أوضح لنا بداية أنّ المعنيين بمعالجة تلوث نهر الليطاني حسب القانون 63, هم وزارة الطاقة, وزارة الصناعة, وزارة الزراعة, وزارة البيئة, مجلس الإنماء والإعمار, ومصلحة الليطاني, لافتاً إلى أنّ دور المصلحة هو التنسيق بين جميع هذه الجهود.
وفي ما أكّد علوية أنّ بعض المعنيين لا يقومون بدورهم كما يجب, ما دفع المصلحة إلى المبادرة, ومتابعة العديد من الملفات منها (التلوث الصناعي, التعديات على الأملاك النهرية, المسالخ, المزارع, الصرف الصحي), شدّد بالتالي على أنّ هناك مشكلة وعلينا مواجهتها وهي مشكلة الصرف الصحي, لاسيما وأنّ الدولة اللبنانية عاجزة عن معالجة المجارير كما مشكلة النفايات الصلبة, مضيفاً "الصرف الصحي حسب القانون 63 هو من مسؤولية وصلاحية وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار, ومجلس الإنماء والإعمار تأخر كثيراً في تنفيذ المشاريع التي نص عليها هذا القانون مع أنّ الأموال متوفرة".
وتابع علوية موضحاً أنّ "المشاريع لزمت ولكن هناك أولاً مشكلة التباطؤ أو الاهمال وعدم المتابعة, وثانياً مشاكل تتعلق بالجهة الممولة أو بالأرض, وهذه خارجة عن إرادة المجلس", مؤكداً أنّ "الحل الوحيد كي لا تزيد النقاط الحمراء على الخريطة هو تطبيق القانون 63, أي أن تقوم وزارة الطاقة بتنظيف مجرى النهر من النفايات الصلبة قبل موسم الشتاء, وأن يسرع مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذ مشاريع التكرير لاسيما محطتي المرج تمنين".
ولحين تنفيذ هذا المخطط والمشاريع رأى علوية أنّ "على المجلس ووزارة الطاقة والبلديات أن يجدوا حلولاً مؤقتة لمشكلة الصرف الصحي, إذ لا نستطيع ترك المجارير تفيض في الطرقات حتى تغمر النهر", متوقفاً عند التقدم الذي حقق في مشكلة التلوث الصناعي والتي تتابعها المصلحة مع وزير الصناعة وائل أبو فاعور, إذ أصبح هناك التزام من قبل 150 مؤسسة صناعة من أصل 400, إلا أنّ هذا - بحسب علوية - لا يمنع دور الدولة بمتابعة المشاكل البيئية.
وبالعودة إلى الخريطة تمنى مدير عام المصلحة أن يتابع الملف جدياً من قبل الدولة, وألا يكون الموضوع مجرد فورة غضب أو صحوة, مطالباً بتنفيذ القانون رقم 63 بحذافيره.
هذا وتوقف علوية عند وجود 100 ألف نازح سوري على ضفاف نهر الليطاني, موضحاً أنّ هناك من يمنع إبعادهم 200 متر عن النهر لأسباب سياسية, كما هناك من يعرقل تركيب محطات التكرير على الرغم من وجود قرار قضائي يلزم الجهات المانحة وضعها, معلقاً "الحل بالنسبة للبعض أن نبقى نحن والنازحون غارقين في المجارير إلى وقت مجهول وغير معلوم لأسباب لا نفهمها ولا نتفهمها".
وفي هذا السياق انطلقت دعوة موجعة الى اهالي برالياس وجاء في الدعوة أنتم مدعوون للمشاركة في الاعتصام الكبير تحت عنوان صرخة برالياس, صرخة في وجه نهر السرطان والموت, صرخة في وجه أهمال الدولة, صرخة في وجه الملوثين و الفاسدين والساكتين, صرخة كل طفل وكل امرأة وكل رجل وكل شريف وكل شهيد وكل إللي فوق التراب وإللي تحت التراب
وحدد المكان أمام مجمع المدارس في برالياس وذلك يوم غد الأربعاء 11/9/2019 السادسة مساءا