لكل دولة تحترم سيادتها حدود مضبوطة ومعابر شرعية, الا الوضع في لبنان مختلفاً. فمسألة الحدود "فلتانة", وشاحنات التهريب تسرح وتمرح على قاعدة "حمّام مقطوعة ميتو", فلا حسيب ولا رقيب, والمخوّلة ضبط الحدود وحدها هي الأجهزة الأمنية, لكن هناك من يراوغ تنفيذاً لرغبة حزب خطف من الدولة هيبتها واسر قرار الحرب والسلم, وجعل من الحدود معبراً إلى اجندته الخارجية. أما ترسيم الحدود البحرية والبرية, فُتح ملفها من جديد مع وصول مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد شنكر لبنان, والذي شدد على أهمية الحفاظ على أمن لبنان واستقراره وسيادته.
وبعدما اثار حزب القوات اللبنانية مراراً موضوع المعابر غير الشرعية مطالباً بضبط الحدود, أصرّ وزير الدفاع الياس بو صعب على أن الامر مبالغ به مخوّناً "القوات", لكنه سرعان ما اختلطت عليه الأمور بعد اجماع القوى على ملف التهريب, فراح يراوغ واعداً بمعالجة الوضع.
لكن وعود بو صعب اصطدمت بأهداف حزب الله, إذ علّقت مصادر سياسية وثيقة الاطلاع على ماورائيات ملف الحدود والمعابر بعبارة "إبحثوا عن حزب الله", في إشارة منها إلى أن أداء بو صعب مرهون بموقف "الحزب" الرافض لضبط المعابر الشرعية وإقفال غير الشرعية منها.
واكتفت المصادر بالقول عبر "نداء الوطن": "الوزير بو صعب يعلم جيداً رفض حزب الله لضبط الحدود وهو يعتمد بالتالي المراوحة في معالجة هذا الملف تماهياً مع موقف الحزب", موضحةً أنّ "ضبط الحدود والمعابر أمام البضائع غير الشرعية من شأنه أن يتوسع لاحقاً تحت وطأة الضغوط الدولية نحو منع دخول السلاح وتهريبه من سوريا إلى لبنان, وهذا ما يتوجس منه حزب الله ويرفض تالياً المضي قدماً في معالجة ملف ضبط الحدود. ومن هنا على هذا الأساس يمكن فهم عدم حماسة الوزير للتصدي لهذا الملف كما يفرض موقعه كوزير للدفاع".
هذا الإهمال على الحدود, انسحب إلى الداخل وخصوصاً في ملف التعيينات, والذي ايضاً ناشدت "القوات" المعنيين ان يتم وفقاً لآلية الدستور واعتماد الكفاءة بدلا من المحسوبيات وعدم اختيار الأسماء على أساس الالتزام الحزبي, إذ عاد الحديث عن تعيين مدير عام لتلفزيون لبنان إلى الواجهة, وهذه المرة عبر نسف ورفض التيار الوطني الحر لكافة أنواع الآليات معتمداً على آلية خاصة به وهي المحسوبيات والمحاصصة.
وبعدما تمكن أصحاب الكفاءة من اجتياز الاختبارات والمقابلة الشفهية التي أجراها في حينها وزير الاعلام السابق ملحم الرياشي ووزيرة التنمية الإدارية عناية عز الدين ورئيسة مجلس الخدمة المدنية القاضية فاطمة الصايغ, إلا ان الأسماء الثلاثة التي كان قد جرى اختيارها باتت مستبعدة اليوم, نتيجة رفض البعض للآلية المعتمدة, حتى أنّ وزير الخارجية جبران باسيل طالب في مجلس الوزراء بإلغاء آلية التعيينات بأكملها, لكنّه جُوبه بمعارضة من وزراء حزب الله والحزب التقدمي الإشتراكي, و"القوات".
واختصرت مصادر واسعة الإطلاع على الملف ما يجري لـ"نداء الوطن", بأنّ "الوطني الحر" لم يقبل سابقاً ولن يقبل لاحقاً بتعيين "إلا داليا داغر" لإدارة تلفزيون لبنان.
وبعد ملف الحدود السائبة, ومخالفة الدستور في ملف التعيينات, يتوجب العودة إلى اسر قرار الحرب والسلم من بوابة الجنوب والتداعيات التي استجدت بعد اعتداء الضاحية مروراً إلى استهداف حزب الله لآلية عسكرية إسرائيلية, وصولاً إلى اسقاط طائرة طائرة مسيرة اسرائيلية في خراج بلدة رامية الجنوبية, لنسأل الآتي: هل يبقى الجمر تحت الرماد إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية؟
مصادر سياسية متابعة قالت لموقع "القوات اللبنانية" الالكتروني إنه "تكفي نسمة هواء (ساخنة) لإطلاق شرارة تشعل حرائق لا أحد يستطيع تقدير اتساعها, في أي لحظةٍ يرى فيها أي من الطرفين مصلحة مباشرة تصب في خدمة أهدافه".
بدوره, يشير المحلل السياسي مصطفى فحص في حديث إلى موقع "القوات", إلى أنه "بغض النظر عن الانتخابات الاسرائيلية أو ما بعدها, سبق وأعلن الاسرائيلي أن لديه أهدافاً مفتوحة في لبنان وحدد آخرها في النبي شيت, فهل هذا يعني أن الأجواء اللبنانية باتت مفتوحة على الرد الاسرائيلي؟ ومن أي طبيعة؟ وكيف سيتصاعد, من رد بسيط إلى متوسط إلى أهداف ثقيلة وكبيرة؟", معتبراً أن "الإجابة على هذه الأسئلة لن تطول كثيراً وقد تكون رهن الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة".
كل هذه التطورات تحدث مع وجود مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد شنكر في لبنان, الذي يستعد للقاء مسؤولين لبنانيين معنيين بملف ترسيم الحدود, وذلك بعدما اجتمع فور وصوله أمس الاثنين برئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحكومي. وجدد شنكر خلال الاجتماع تأكيد أهمية الحفاظ على أمن لبنان واستقراره وسيادته.